الحديث الأوّل

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين.

وبعد:
فقد ذكرت في بعض بحوثي بعد حديث: إنّ كلّ حديث جاء في مناقب الخلفاء وذكرت فيه أساميهم على الترتيب، فهو حديث موضوع بلا ريب . . ..
فطلب منّي بعض الأفاضل إثبات ذلك عن طريق التحقيق في أسانيد عدّة من الأحاديث ـ من هذا القبيل ـ المخرّجة في الصحاح والكتب المعتبرة . . . فكانت هذه الرسالة . . ..
ثمّ ظهر لي أنّ الحكم بالوضع لا يختصّ بأخبار أبواب المناقب، بل أكاد أقطع بأنّ كلّ حديث كان كذلك في مطلق الأبواب فهو موضوع، حتى التي جاء فيها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان . . . خرجت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان . . . أين أبو بكر وعمر وعثمان . . . وقد يكون فيها ذكر «عليّ» بعدهم وقد لا يكون، ولربّما جاء اسمه مقدّماً على «عثمان» لكنّهما متى ذُكرا فهما مؤخَّران عن أبي بكر وعمر . . .!
ومن الطريف، أنّي وجدت حديثاً قد وضع فيه الكّذابون هذا المعنى عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، ليكون إقراراً منه بذلك، فلا يبقى لأحد اعتراض عليه . . .!!:
أخرج البخاري، قال: حدّثني الوليد بن صالح، حدّثنا عيسى بن يونس، حدّثنا عمر بن سعيد بن أبي الحسين المكّي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس . . .».
وأخرج مسلم، قال: «حدّثنا سعيد بن عمرو الأشعثي وأبو الربيع العتكي وأبو كريب محمّد بن العلاء ـ واللفظ لأبي كريب ـ قال أبو الربيع: حدّثنا، وقال الآخران: أخبرنا ابن المبارك، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، قال: سمعت ابن عبّاس يقول:
وُضع عمر بن الخطّاب على سريره، فتكنّفه الناس يدعون ويثنون ويصلّون عليه قبل أن يُرفع ـ وأنا فيهم ـ قال: فلم يرعني إلاّ برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفتُّ إليه فإذا هو عليّ، فترحّم على عمر وقال: ما خلَّفتَ أحداً أحبّ إليّ أنْ ألقى اللّه بمثل عمله منك، وأيم اللّه إن كنتُ لأظنّ أنْ يجعلك اللّه مع صاحبَيْك، وذاك أنّي كنت أُكثّر أسمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم يقول: جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإنْ كنتُ لأرجو ـ أو لأظنّ ـ أن يجعلك اللّه معهما»(1).
وكذا أخرجه غيرهما، كابن ماجة . . . فرواه بإسناده عن عمر بن سعيد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس . . ..
لكنه حديث موضوع على أمير المؤمنين عليه السلام . . . لأنّ مداره على «ابن أبي مليكة» هذا الرجل الذي يعدّ من كبار النواصب المبغضين له ولأهل البيت عليهم السلام، حتى كان قاضي عبداللّه بن الزبير ومؤذّنه . . .(2).
واللّه أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفّقنا لتحقيق الحقّ واتّباعه، إنّه هو البرّ الرحيم.

الحديث الأوّل

أخرج البخاري، قال:
«حدّثنا محمّد بن مسكين أبو الحسن، حدّثنا يحيى بن حسّان، حدّثنا سليمان، عن شريك بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيّب، قال: أخبرني أبو موسى الأشعري: أنّه توضّأ في بيته ثم خرج، فقلت: لألزمنَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، ولأكوننَّ معه يومي هذا. قال: فجاء المسجد فسأل عن النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، فقالوا: خرج ووجّه ههنا، فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب ـ وبابها من جريد ـ حتى قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم حاجته فتوضّأ، فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس، وتوسّط قفّها وكشف عن ساقيه ودلاّهما في البئر، فسلّمت عليه ثم انصرفت، فجلست عند الباب فقلت: لأكوننَّ بوّاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم اليوم.
فجاء أبو بكر فدفع الباب. فقلت: من هذا؟!
فقال: أبو بكر.
فقلت: على رسلك. ثم ذهبت فقلت: يا رسول اللّه! هذا أبو بكر يستأذن.
فقال: إئذن له وبشّره بالجنّة.
فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: أُدخل، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم يبشّرك بالجنّة.
فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم معه في القفّ، ودلّى رجليه في البئر كما صنع النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، وكشف عن ساقيه.
ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضّأ ويلحقني. فقلت: إنْ يرد اللّه بفلان خيراً ـ يريد أخاه ـ يأت به، فإذا إنسان يحرّك الباب.
فقلت: من هذا؟!
فقال: عمر بن الخطّاب.
فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم فسلّمت عليه، فقلت: هذا عمر بن الخطّاب يستأذن.
فقال: إئذن له وبشّره بالجنّة.
فجئت فقلت له: أُدخل، وبشّرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم بالجنّة.
فدخل فجلس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم في القفّ عن يساره، ودلّى رجليه في البئر.
ثم رجعت فجلست فقلت: إنْ يرد اللّه بفلان خيراً يأت به. فجاء إنسان يحرّك الباب.
فقلت: من هذا؟!
فقال: عثمان بن عفّان.
فقلت: على رسلك. فجئت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم فأخبرته.
فقال: إئذن له وبشّره بالجنّة على بلوىً تصيبه.
فجئته فقلت له: أدخل، وبشّرك رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم بالجنّة على بلوىً تصيبك.
فدخل فوجد القفّ قد ملئ، فجلس وجاهه من الشقّ الآخر.
قال شريك: قال سعيد بن المسيّب: فأوّلتُها قبورهم»(3).
وأخرجه مسلم بالإسناد واللفظ . . .(4).
وقال البخاري: «حدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا أبو أُسامة، قال: حدّثني عثمان بن غياث، حدّثنا أبو عثمان النهدي، عن أبي موسى . . .»(5).
وقال مسلم: «حدّثنا محمّد بن المثنّى العنزي، حدّثنا ابن أبي عديّ، عن عثمان بن غياث، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري . . .»(6).
وأخرجه غيرهما كذلك . . ..

أقول:
ففي السند الأول: شريك بن أبي نمر:

(1) صحيح البخاري 3 / 1345 كتاب فضائل الصحابة باب قول النبيّ (لو كنت متخذاً خليلاً) الرقم 3474، صحيح مسلم 5 / 12 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر الرقم 2389.
(2) تهذيب التهذيب 5 / 272.
(3) صحيح البخاري 3 / 1343 ـ 1344 كتاب فضائل الصحابة باب قول النبي: (لو كنت متخذاً خليلاً) الرقم 3471.
(4) صحيح مسلم 5 / 20 ـ 21 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عثمان بن عفان ذيل الرقم 2403.
(5) صحيح البخاري 3 / 1350 ـ 1351 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عمر بن الخطّاب الرقم 3490.
(6) صحيح مسلم 5 / 19 ـ 20 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عثمان بن عفان الرقم 2403.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *