إفراط البعض في التعصّب

إفراط البعض في التعصّب:
ثمّ إنّ بعضهم لم يقنع برواية الحديث المختلق المقلوب والاستدلال به، حتى جعل يقدح في الحديث الأصل . . . قال العيني بشرح حديث الخوخة:
«(فإن قلت): روي عن ابن عبّاس أنّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم. قال: سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ.
(قلت): قال الترمذي: هو غريب. وقال البخاري: حديث إلاّ باب أبي بكر أصحّ. وقال الحاكم: تفرّد به مسكين بن بكير الحرّاني عن شعبة. وقال ابن عساكر: وهو وهم. وقال صاحب التوضيح: وتابعه إبراهيم بن المختار»(1).
بل تجاوز بعضهم عن هذا الحدّ . . . حتّى زعم أنّ الحديث الأصل من وضع الرافضة:
قال ابن الجوزي ـ بعد أن رواه في بعض طرقه ـ : «فهذه الأحاديث كلّها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتّفق على صحّته في: «سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر»(2).
وقال ابن تيميّة: «فإنّ هذا ممّا وضعته الشيعة على طريق المقابلة»(3).
وقال ابن كثير: «ومن روى إلاّ باب عليّ ـ كما وقع في بعض السنن ـ فهو خطأ، والصواب ما ثبت في الصحيح»(4).

قلت:
لا شكّ في أنّ الأمر بسدّ أبواب الصحابة إلاّ باب واحد منهم فضيلة وخصيصة . . . ولَمّا رأى المناوئون لأمير المؤمنين عليه السلام المنكرون فضائله وخصائصه ـ كمالك ابن أنس ونظائره ـ حديث «سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ» ولم يتمكّنوا من إنكاره لصحّة طرقه، عمدوا إلى قلبه إلى أبي بكر وجعل حديث الخوخة في حقّه . . . ثمّ اختلفت مواقف المحدّثين والشرّاح تجاه الحديثين.
فمنهم: من لم يتعرّض لحديث «سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ» لا نفياً ولا إثباتاً . . . كالنووي والكرماني في شرحيهما على مسلم والبخاري، وابن سيّد الناس في سيرته . . ..
ومنهم: من تعرّض له واختلف كلامه، كالعيني . . . فظاهره في موضع طرحه أو ترجيح حديث الخوخة عليه، وفي آخر الجمع بما ذكره الطحاوي وغيره.
ومنهم: من حكم بوضعه . . . كابن الجوزي ومن تبعه . . ..
ومنهم: من اعترف بصحّته وثبوته، وردّ على القول بوضعه أو ضعفه . . . وحاول الجمع بين الحديثين . . . كالطحاوي وابن حجر العسقلاني ومن تبعهما . . ..
أمّا السكوت وعدم التعرّض، فلعدم الجرأة على ردّ حديث «إلاّ باب عليّ»، وعدم تماميّة وجه للجمع بين الحديثين . . . بعد فرض صحّة حديث الخوخة لكونه في الصحيحين . . ..
وأمّا الطعن في حديث «إلاّ باب عليّ»، فلأنّ الفضيلة والخصيصة لا تتمّ لأبي بكر إلاّ بالطعن في ذاك الحديث، بعد فرض عدم تمامية وجه للجمع بينهما.

(1) عمدة القاري 4 / 245.
(2) الموضوعات 1 / 274.
(3) منهاج السُنّة 5 / 35.
(4) تفسير ابن كثير 1 / 513.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *