وقفة مع الحاكم

وقفة مع الحاكم
وهنا كان من المناسب أن نقف وقفةً قصيرةً مع الحاكم، الذي أتعب نفسه وأصرّ على تصحيح هذا الحديث، وأكدّ على أنْ ليس له علّة، وتوهّم أنّ البخاري ومسلماً، اللذين لم يخرجاه ـ «توهّما أنّه ليس له راو عن خالد بن معدان غير ثور بن يزيد» أي: ولولا هذا التوهّم لأخرجاه!!
ثمّ قال بالتالي: «قد استقصيت في تصحيح هذا الحديث و . . . كان أحبّ إليّ من والديّ وولدي والناس أجمعين»(1).

فنقول:
أوّلاً: قد أوقفناك على بعض علل هذا الحديث في أسانيده وطرقه، وكيف تخفى هذه العلل على مثل البخاري ومسلم ومن تبعهما كالنسائي، حتّى يوجّه إعراضهم بالتوهّم الّذي ذكرتَ، لا سيّما وأنّ الراوي الآخر عن خالد ـ وهو محمّد بن إبراهيم ـ قد خرّج حديثه في الصحيحين كما قلت؟!
وثانياً: ما نسبتَه إلى البخاري من الاحتجاج بـ«عبدالرحمن بن عمرو السلمي» لم نستوثقه إلى هذا الحين . . . فاسم هذا الرجل غير وارد في كتاب ابن القيسراني المقدسي (الجمع بين رجال الصحيحين).
وثالثاً: قولك: «وروى هذا الحديث في أوّل كتاب الاعتصام بالسُنّة».
إنْ كنت تقصد البخاري وحديث العرباض بن سارية ـ كما هو ظاهر العبارة ـ فإنّا لم نجده.
ورابعاً: قولك: «وقد تابع عبدالرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض بن سارية ثلاثة» فيه:
أنّ الثالث منهم تركتَه أنت، لعدم كون الطريق إليه من شرط الكتاب.
والثاني منهم لم يلق العرباض بن سارية حتى يروي عنه.
والأوّل لم يرو عنه إلاّ أبو داود، وقال ابن القطّان: لا يُعرف.
هذه نتيجة الجهد الذي بذله الحاكم في تصحيح هذا الحديث، وهذا شأن الحديث الذي كان تصحيحه أحبّ إليه من والديه وولده والناس أجمعين!!
ومن هنا تعرف شأن الحاكم ومستدركه وتصحيحاته، وتعطي الحقّ لمن قال: «واعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما وهو متساهل»(2).
بل قال بعضهم: «طالعت المستدرك الذي صنّفه الحاكم من أوّله إلى آخره، فلم أر فيه حديثاً على شرطهما!»(3).
بل عن بعضهم أنّه: «جمع جزءاً فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة»(4).

(1) المستدرك 1 / 175 ـ 177.
(2) هذه عبارة النووي في التقريب 1 / 80 بشرح السيوطي.
(3) نقله السيوطي عن أبي سعيد الماليني في تدريب الراوي 1 / 81 .
(4) ذكره السيوطي في تدريب الراوي 1 / 81 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *