5. عليّ الباب أي رفيعٌ الباب

5. عليّ الباب أي رفيعٌ الباب
ومنهم من ألجأته العصبيّة إلى تحريف الحديث الشريف، فذكر أنّ «علي بابها» أي: مرتفع.
والجواب:
إنه من أقبح وجوه التحريف والتّضليل، ومن جملة صنائع الخوارج والنواصب، لا يرتضيه من كان في قلبه أقل مراتب حبّ أهل البيت عليهم السّلام، فقد نصّ أبو محمد أحمد بن على العاصمي في (زين الفتى) على أنّ الغرض من هذا التأويل هو «الوقيعة في المرتضى رضوان الله عليه والحطّ عن رتبته» وفيه تخطئة لفهم الناس أجمعين من هذا الحديث الشريف، كما صرّح بذلك العلامة محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير، وتسفيه لأكابر العلماء وأئمة المحدثين، الذين ذكروا حديث مدينة العلم في جملة مناقب أميرالمؤمنين، بل لقد احتجّ به الامام ضمن احتجاجاته على أهل الشورى، كما احتجّ به ابن عباس وغيره من الصّحابة».
ثم إنه قد ورد الحديث في بعض طرقه بلفظ:
«فمن أراد بابها فليأت علياً»
قال الزرندي: «فضيلة أخرى اعترف بها الأصحاب وابتهجوا، وسلكوا طريق الوفاق وانتهجوا:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد بابها فليأت علياً».(1)
وأورده شهاب الدين أحمد عن الزّرندي.(2)
وأخرج ابن عساكر فقال: «وأخبرناه أبو علي الحسن بن المظفّر، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، وأم أبيها فاطمة بنت علي بن الحسين، قالوا: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي بن علي الدجاجي، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي، أنبأنا الهيثم بن خلف الدوري، أنبأنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، أنبأنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد فليأت علياً».(3)
ورواه صدر الدين الحموئي بسنده عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس كذلك.(4)
وعبارة الزرندي صريحة في اتفاق جميع الأصحاب واعترافهم بهذه الفضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام، فالتأويل المذكور مخالف لفهم الصحابة وإجماعهم على هذا المعنى، وقد تقرّر عند أهل السنّة أنّ المخالف لإجماع الصحابة مصداق لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبيلِ الْمُؤْمِنينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصيرًا)
ولسخافة هذا التأويل، اضطرّ جمع من العلماء إلى التصريح بالردّ عليه، كابن حجر المكي، فإنه قال:
«واحتجّ بعض من لا تحقيق عنده على الشيعة بأن «علي» اسم فاعل من العلو، أي «عال بابها»، فلا ينال لكلّ أحد. وهو بالسفساف أشبه، لا سيّما وفي رواية رواها ابن عبد البر في استيعابه: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه، إذ مع تحديق النظر في هذه الرواية لايبقى تردد في بطلان ذلك الرأي، فاستفده بهذا».(5)
وقال المناوي: «ومن زعم أنّ المراد بقوله «وعلي بابها» إنه مرتفع من العلوّ، فقد تمحّل لغرضه الفاسد بما لا يجديه ولا يسمنه ولا يغنيه».(6)

(1) نظم درر السمطين: 113.
(2) توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل ـ مخطوط.
(3) تاريخ دمشق.
(4) فرائد السمطين.
(5) المنح المكية: 304.
(6) فيض القدير 3 / 46.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *