رد قدح ابن الجوزى

رد قدح ابن الجوزى
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
أقول:
لكنّ الاحتجاج بذكر «ابن الجوزي» حديث مدينة العلم في «الموضوعات» باطل جدّاً، وذلك لسقوط آراء ابن الجوزي وكتابه المذكور عن درجة الاعتبار، لدى أكابر العلماء الأعلام، ولنذكر شطراً من كلماتهم في هذا المضمار:
من كلمات العلماء في ابن الجوزي
قال ابن الأثير في حوادث سنة 597 من الكامل: ـ «وفي هذه السّنة في شهر رمضان توفي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي الواعظ ببغداد، وتصانيفه مشهورة، وكان كثير الوقيعة في الناس، لا سيّما في العلماء المخالفين لمذهبه والموافقين له، وكان مولده سنة 510».
وكذا في الخميس في حوادث السنة المذكورة.
وفي المختصر في أخبار البشر: «وكان كثير الوقيعة في العلماء».
وفي الكامل بترجمة عبد الكريم السمعاني: «وقد جمع مشيخته فزادت عدّتهم على أربعة آلاف شيخ، وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي فقطّعه، فمن جملة قوله فيه: إنه كان يأخذ الشيخ ببغداد ويعبر به إلى فوق نهر عيسى فيقول: حدثني فلان بما وراء النهر. وهذا بارد جداً، فإنّ الرجل سافر إلى ما وراء النهر حقّاً، وسمع في عامة بلاده من عامة شيوخه، فأيّ حاجة به إلى هذا التدليس البارد، وإنّما ذنبه عند ابن الجوزي أنه شافعي، وله أسوة بغيره، فإن ابن الجوزي لم يبق على أحد إلاّ مكثري الحنابلة»
وذكره ابن الوردي.
وقال اليافعي في مرآة الجنان حوادث 595 «وفيها أخرج ابن الجوزي من سجن واسط وتلقّاه الناس، وبقي في المطمورة خمس سنين، كذا ذكره الذهبي، ولم يتبيّن لأىّ سبب سجن، وكنت قد سمعت فيما مضى أنه حبس بسبب الشيخ عبد القادر بأنّه كان ينكر عليه، وكان بينه وبين أبيه عداوة بسبب الإنكار المذكور، وأخبرني من وقف على كتاب له أنّه ينكر فيه على قطب الأولياء تاج المفاخر الذي خضعت لقدمه رقاب الأكابر الشيخ محي الدين عبد القادر قدس الله روحه ونوّر ضريحه، وإنكار ابن الجوزي عليه وعلى غيره من الشيوخ أهل المعارف والنور من جملة الخذلان وتلبيس الشيطان والغرور، والعجب منه في إنكاره عليهم وبمحاسنهم يطرز كلامه، فقد ملأت ـ والحمد لله ـ محاسنهم الوجود، فلا مبالاة بذم كلّ مغرور وحسود.»
وقال الذهبي بترجمة أبان بن يزيد العطّار: «ثم قال ابن عدي: هو حسن الحديث متماسك، يكتب حديثه، وعامّتها مستقيمة، وأرجو أنّه من أهل الصدق.
قلت: بل هو ثقة حجة، ناهيك بأن أحمد بن حنبل ذكره فقال: كان ثبتاً في كلّ المشايخ، وقال ابن معين والنسائي: ثقة. وقد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه، وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق، ولو لا أنّ ابن عدي وابن الجوزي ذكرا أبان بن يزيد لما ذكرته أصلاً».(1)
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: «قرأت بخطّ الموقاني أن ابن الجوزي شرب البلاذر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدّاً، وكان يخضبها بالسواد، وكان كثير الغلط فيما يصنّفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره. قلت: له وهم كثير في تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحوّل إلى مصنف آخر، ومن أن جلّ علمه من كتب وصحف ما مارس فيه أرباب العلم كما ينبغي».(2)
وقال ابن حجر بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري: «وذكر أبو منصور ابن طاهر التميمي في كتاب الفرق بين الفرق، أنّ الواثق لما قتل أحمد بن نصر الخزاعي ـ وكان ثمامة ممّن سعى في قتله ـ فاتفق أنه حجّ فقتله ناس من خزاعة بين الصّفا والمروة. وأورد ابن الجوزي هذه القصّة في حوادث سنة ثلاث عشرة، وترجم لثمامة فيمن مات فيها وفيها تناقض، لأن قتل أحمد بن نصر تأخّر بعد ذلك بدهر طويل، فإنه قتل في خلافة الواثق سنة بضع وعشرون، فكيف يقتل قاتله سنة ثلاث عشرة، والصّواب أنه مات في سنة ثلاث عشرة، ودلّت هذه القصة على أن ابن الجوزي حاطب ليل لا ينتقد مايحدّث به».(3)
وفي طبقات الحفاظ للسيوطي وطبقات المفسّرين للداودي بترجمة ابن الجوزي «قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه».

من كلمات العلماء في الموضوعات لابن الجوزي
قال ابن الصلاح: «ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلّدين، فأودع فيها كثيراً ممّا لا دليل على وضعه، وإنما حقّه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة».(4)
وقال محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني في المنهل الروي في علم أصول حديث النبيّ: «وصنّف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتابه في الموضوعات، فذكر كثيراً من الضعيف الذي لا دليل على وضعه».
وقال ابن كثير «وقد صنّف الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً حافلاً في الموضوعات، غير أنّه أدخل فيه ما ليس منه، وأخرج عنه ما كان يلزمه ذكره، فسقط عليه ولم يهتد إليه».(5)
وقال الزين العراقي بشرح قوله:
«وأكثر الجامع فيه إذ خرج *** لمطلق الضعف عنى أبا الفرج».
قال: «قال ابن الصلاح: ولقد أكثر الذي جمع… وأراد ابن الصلاح بالجامع المذكور أبا الفرج ابن الجوزي، وأشرت إلى ذلك بقولي عنى أبا الفرج».(6)
وقال ابن حجر العسقلاني بعد إثبات حديث سدّ الأبواب إلاّ باب علي عليه السلام: «وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصراً على بعض طرقه عنهم، وأعلّه ببعض من تكلّم فيه من رواته، وليس بقادح، لما ذكرت من كثرة الطرق، وأعلّه أيضاً بأنّه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر. انتهى، وأخطأ في ذلك خطأ شنيعاً، فإنه سلك ردّ الأحاديث الصحيحة بتوهّمه المعارضة، مع أنّ الجمع بين القصتين ممكن».
وقال ابن حجر أيضا في بحثه حول الحديث المذكور: «قول ابن الجوزي في هذا الحديث إنه باطل وإنه موضوع، دعوى لم يستدل عليها إلاّ بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين، وهذا إقدام على ردّ الأحاديث الصحيحة بمجرّد التوهّم، ولاينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلاّ عند عدم إمكان الجمع، ولايلزم من تعذّر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك، لأن فوق كلّ ذي علم عليم، وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على الحديث بالبطلان، بل يتوقّف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له، وهذا الحديث من هذا الباب، هو حديث مشهور له طرق متعددة، كلّ طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها ممّا يقطع بصحّته على طريقه كثير من أهل الحديث».(7)
وقال السخاوي: «ويوجد الموضوع كثيراً في الكتب المصنفة في الضعفاء وكذا في العلل، ولقد أكثر الجامع فيه مصنفاً نحو مجلّدين، إذ خرج عن موضوع كتابه لمطلق الضعف، حيث أخرج فيه كثيراً من الأحاديث الضعيفة التي لا دليل معه على وضعها، وعنى ابن الصلاح بهذا الجامع الحافظ الشهير أبا الفرج ابن الجوزي، بل ربما أدرج فيها الحسن والصحيح مما هو في أحد الصحيحين فضلاً. عن غيرهما، وهو ـ مع إصابته في أكثر ما عنده ـ توسع منكر ينشأ عنه غاية الضرر، من ظن ما ليس بموضوع بل هو صحيح موضوعاً، مما قد يقلّده فيه العارف تحسيناً للظن به، حيث لم يبحث فضلاً عن غيره، ولذا انتقد العلماء صنيعه إجمالاً، والموقع له استناده في غالبه بضعف راويه الذي رمي بالكذب مثلاً، غافلاً عن مجيئه من وجه آخر…».(8)
وفيه: «ثم إنّ من العجب إيراد ابن الجوزي في كتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية كثيراً ممّا أورده في الموضوعات، كما أن في الموضوعات كثيراً من الأحاديث الواهية، بل قد أكثر في تصانيفه الوعظية وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه. قال شيخنا: وفاته من نوعي الموضوع والواهي في الكتابين قدر ما كتب، قال: ولو انتدب شخص لتهذيب الكتاب ثم لإلحاق ما فاته لكان حسناً، وإلاّ فيما تقرر عدم الانتفاع به إلاّ للناقد، إذ ما من حديث إلاّ ويمكن أن لا يكون موضوعاً».(9)
وقال السّيوطي: «وقد جمع في ذلك الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي كتاباً، فأكثر فيه من إخراج الضعيف الذي لم ينحط إلى رتبة الوضع بل ومن الحسن ومن الصحيح، كما نبّه على ذلك الأئمة الحفاظ ومنهم ابن الصّلاح في علوم الحديث وأتباعه».(10)
وفيه: «واعلم أنه جرت عادة الحفّاظ كالحاكم وابن حبّان والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون على حديث بالبطلان من حيثيّة سند مخصوص، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفا من وجه آخر، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به، فيغتّر ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع مطلقاً ويورده في كتاب الموضوعات، وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر…».
وفي الكتاب المذكور، في تحقيق حديث «من قرأ آية الكرسي دبر كلّ صلاة…»
قال: «وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث المشكاة: غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات، وهو أسمج ما وقع له…»(11)

(1) ميزان الاعتدال 1 / 16.
(2) تذكرة الحفاظ 4 / 1342.
(3) لسان الميزان 2 / 84.
(4) علوم الحديث 212.
(5) الباعث الحثيث: 75.
(6) شرح الألفية 1 / 261.
(7) الباعث الحثيث: 75.
(8) فتح المغيث 1 / 236.
(9) فتح المغيث 1 / 237.
(10) اللآلي المصنوعة 1 / 2.
(11) اللآلي المصنوعة 1 / 230.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *