المقدمة الثانية في وجوب معرفة النبيّ و الإمام

المقدمة الثانية
إنه كما أنّ الخطاب بالواجبات والمحرّمات وسائر الأحكام الشرعيّة العباديّة منوط بالعقل، وبالعلم بها على الوجه المقرّر في الفقه، فإنّ حصول الغرض من تشريعها وترتّب الأثر على امتثالها منوط بالمعرفة.
إنّ الغرض من الأعمال العباديّة ـ كما هو ظاهر إناطتها بالنيّة، وهي قصد القربة إلى الله ـ هو القرب من الله عزّ وجلّ، وكلّما ازدادت المعرفة اشتدّت الرغبة في العبوديّة والطّاعة حتى يكون كما في الحديث القدسي: «لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل مخلصاً لي حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها»(1).
ولذا جاء في الخبر أنه: «خرج الحسين بن علي عليه السّلام على أصحابه فقال: أيها الناس، إن الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه.
فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بأبي واُمّي، فما معرفة الله؟
قال: معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته»(2).
وقد أوضح العلماء معنى هذا الخبر بأنّ الله عزّ وجلّ لما أراد من عباده الطّاعة نصب لهم ـ لطفاً منه بهم ـ في كلّ زمان إماماً يعلّمهم طريق الطاعة والعبادة ويدعوهم إليه ويأمرهم بذلك، فإذا عرفوه وأطاعوه في كلّ ما أمر به ونهى عنه فقد أطاعوا الله، كما قال سبحانه وتعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)(3). ولذا وجب أن تكون العبادة عن معرفة لله ورسوله والأئمة عليهم السّلام، وكما قال زرارة:
«قلت لأبي جعفر عليه السّلام: أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟
فقال: إن الله عز وجلّ بعث محمّداً ـ صلّى الله عليه وآله ـ إلى الناس أجمعين رسولاً وحجةً لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه، فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه. ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّها، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّها…»(4).
وعلى الجملة، فإنّ الإمام عليه السّلام في كلّ زمان هو السّبيل إلى معرفة الله ورسوله وما جاءت به الشريعة في الاصول والفروع، ولذا عبّر في الأحاديث عن الإمام بـ«السبيل» وعن الأئمّة بالسّبل، ومن ضيّع السبيل إلى المقصد لم يصل إليه، ولذا وجبت معرفة الإمام كما في الرواية المذكورة.
وعن جابر عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام إنه قال: «إنما يعرف الله عز وجلّ ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت، ومن لا يعرف الامام عز وجلّ ولا يعرف الامام منّا أهل البيت، فإنما يعرف ويعبد غير الله»(5).

(1) إرشاد القلوب 1 / 91.
(2) علل الشرائع 1 / 9.
(3) سورة النساء: الآية 80 .
(4) الكافي 1 / 18.
(5) الكافي 1 / 181.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *