بين الإمام و الطرمّاح و أصحابه في عذيب الهِجانات

بين الإمام و الطرمّاح و أصحابه في عذيب الهِجانات
فسار الإمام عليه السلام حتّى وصل عذيب الهجانات، كان بها هجائن النعمان ترعى هناك فنسب إليها، قال ابن الأثير:
فإذا هو بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له: الكامل، ومعهم دليلهم الطِّرِمّاح بن عديّ، فانتهوا إلى الحسين، فأقبل إليهم الحُرّ وقال: إنّ هؤلاء النفر من أهل الكوفة وأنا حابسهم أو رادّهم.
فقال الحسين: لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري، وهم بمنزلة مَن جاء معي، فإن تمّمتَ على ما كان بيني وبينك، وإلاّ ناجزتُك.
فكفّ الحُرّ عنهم، فقال لهم الحسين: أخبروني خبر الناس خلفكم؟
فقال له مجمّع بن عبيداللّه العامريّ ـ وهو أحدهم ـ : أمّا أشراف الناس فقد أُعظِمت رشوتهم، ومُلئت غرائرهم، فهم أَلْبٌ واحدٌ عليك.
وأمّا سائر الناس بعدهم، فإنّ قلوبهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك.
وسألهم عن رسوله قيس بن مُسْهِر، فأخبروه بقتله وما كان منه، فترقرقت عيناه بالدموع ولم يملك دمعته، ثمّ قرأ: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْديلا)(1); اللّهمّ اجعل لنا ولهم الجنّة، واجمعْ بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك، وغائب مذخور ثوابك.
وقال له الطرِمّاح بن عديّ: واللّه ما أرى معك كثيرَ أحد، ولو لم يقاتلك إلاّ هؤلاء الّذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، ولقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة بيوم ظهرَ الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي جمعاً في صعيد واحد أكثر منه قطّ ليسيروا إليك، فأنشدك اللّه إن قدرتَ على أن لا تقدم إليهم شبراً فافعلْ.
فإن أردتَ أن تنزل بلداً يمنعك اللّه به حتّى ترى رأيك ويستبين لك ما أنت صانع، فسِرْ حتّى أُنزلك جبلنا أجأ، فهو واللّه جبل امتنعنا به من ملوك غسّان وحِمْير والنعمان بن المنذر، ومن الأحمر والأبيض، واللّه ما إن دخل علينا ذُلّ قطّ، فأسيرُ معك حتّى أُنزلك ]القُرَيَّة[، ثمّ تبعث إلى الرجال ممّنْ بأجأ وسَلمى من طيّئ، فواللّه لا يأتي عليك عشرة أيّام حتّى تأتيك طيّئ رجالا وركباناً، ثمّ أقمْ فينا ما بدا لك، فإن هاجك هَيْجٌ، فأنا زعيمٌ لك بعشرين ألف طائيّ يضربون بين يديك بأسيافهم، فواللّه لا يُوصل إليك أبداً وفيهم عين تطرف.
فقال له: جزاك اللّه وقومك خيراً! إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري علامَ تتصرّف بنا وبهم الأُمور.
فودّعه وسار إلى أهله ووعده أن يوصل الميرة إلى أهله ويعود إلى نصره، ففعل، ثمّ عاد إلى الحسين، فلمّا بلغ عُذيب الهِجانات لقيه خبر قتله، فرجع إلى أهله(2).
وقال الطبري: «حتّى انتهوا إلى عذيب الهِجانات وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم، يجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له: الكامل، ومعهم دليلهم الطرمّاح بن عديّ على فرسه، وهو يقول:
يا ناقتي لا تذعري من زجري *** وشمّري قبل طلوع الفجرِ
بخير رُكبان وخير سفرِ *** حتّى تحلي بكريم النجرِ
الماجد الحرّ رحيب الصدرِ *** أتى به اللّهُ لخير أمرِ
ثمّت أبقاه بقاء الدهرِ
قال: فلمّا انتهوا إلى الحسين أنشدوه هذه الأبيات، فقال: أمَا واللّه إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد اللّه بنا، قُتلنا أم ظفرنا.
قال: وأقبل إليهم الحرّ بن يزيد فقال:…»(3).

(1) سورة الأحزاب 33: 23.
(2) الكامل في التاريخ 3 / 409 ـ 410.
(3) تاريخ الطبري 3 / 307 ـ 308، وانظر: مقتل الحسين ـ للخوارزمي ـ 1 / 333.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *