6 ـ إنّ التصدّق في أثناء الصلاة ينافي الصلاة

6 ـ إنّ التصدّق في أثناء الصلاة ينافي الصلاة:
وهذا أيضاً ذكره القاضي المعتزلي، وتبعه عليه القوم. إلاّ أنّ الآلوسي أجاب عن هذه الشبهة بقوله: «بلغني أنّه قيل لابن الجوزي: كيف تصدّق عليّ بالخاتم وهو في الصلاة… فأنشأ يقول:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتّى تمكّن من *** فعل الصحاة فهذا واحد الناس»(1) *** وقد سبق إلى الاستشهاد بالبيتين: السيّد الشهيد التستري في إحقاق الحقّ(2)، ونسبهما إلى بعض الأصحاب. واللّه العالم.
وبعد، فماذا يقول العلماء في الحديث الصحيح التالي:
«عن أبي قتادة الأنصاري قال: رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يؤمّ النّاس واُمامة بنت أبي العاص وهي ابنة زينب بنت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على عاتقه، فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها»(3).
وهكذا أحاديث اخرى في غير واحد من أبواب كتاب الصّلاة.
أقول:
هذه عمدة شبهاتهم في المقام، والعمدة في الجواب عنها هو النصُّ الصحيح المقبول بين الطرفين، فلا مجال بعده لتلك الشبهات، ولا لغيرها، من قبيل: احتمال حمل «الواو» في (وَهُمْ راكِعُونَ) على العطف..
أو احتمال حمل «الركوع» على «الخضوع»..
أو دعوى أنّ «الزكاة» إنّما تقال للزكاة الواجبة، والذي فعله أمير المؤمنين كان نفلاً..
أو دعوى أنّ لازم الاستدلال بالآية، عن طريق إفادتها الحصر، على بطلان إمامة من تقدّمه، هو: بطلان إمامة الأئمّة من ولده; فإنّها جهل ـ أو تجاهل ـ من مدّعيها; لأنّه لا يقول بإمامة أئمّة العترة على كلّ تقدير.
أمّا الإماميّة، فإنّهم يبطلون إمامة من تقدّم على أمير المؤمنين بهذه الآية، ولهم أدلّتهم على إمامة سائر الأئمّة من الكتاب والسُنّة وغيرهما..
على أنّ البحث هو بين إمامة عليّ وإمامة أبي بكر، وإمامة الأئمّة بعد عليّ فرع على إمامته، كما أنّ إمامة عمر وعثمان ومعاوية ويزيد… تتفرّع على إمامة أبي بكر; فإذا ثبتت إمامة عليّ من الآية، ثبتت الإمامة في ولده، وبطلت إمامة أبي بكر وكلّ إمامة متفرّعة على إمامته.
والحقيقة ـ كما ذكرنا من قبل ـ : إنّ هذه الآية ونزولها في هذه القضيّة، من أقوى الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام; ولذا فقد اضطرب القوم تجاهها، واختلفت كلماتهم في ردّ الاستدلال بها، وبذلوا أقصى جهودهم في الجواب، ولكنّهم لم يُفلحوا فازدادوا بعداً عن نهج الحقّ وطريق الصواب..
فلا الآية يمكن تكذيبها، ولا الحديث الوارد في تفسيرها..
والحمد للّه ربّ العالمين،
وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

(1) روح المعاني 6 / 247 ـ 248.
(2) إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل 2 / 414، مع اختلاف قليل في اللفظ.
(3) صحيح مسلم 2 / 73 باب جواز حمل الصبيان في الصّلاة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *