كلام القاضي عبدالجبّار المعتزلي

كلام القاضي عبدالجبّار المعتزلي:
فلنورد أوّلاً ملخّص كلام قاضي القضاة المعتزلي(1) في الاعتراض على الاستدلال بالآية، فإنّه قال:
اعلم أنّ المتعلّق بذلك لا يخلو من أن يتعلّق بظاهره أو بأُمور تقارنه، فإنْ تعلّق بظاهره فهو غير دالّ على ما ذُكر، وإن تعلّق بقرينة فيجب أن يبيّنها، ولا قرينة من إجماع أو خبر مقطوع به.
فإن قيل: ومن أين أن ظاهره لا يدلّ على ما ذكرناه؟
قيل له: إنّه تعالى ذكر الجمع، فكيف يحمل على واحد معين؟! وقوله: (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) لو ثبت أنّه لم يحصل إلاّ لأمير المؤمنين، لم يوجب أنّه المراد بقوله: (وَالَّذينَ آمَنُوا); لأنّ صدر الكلام إذا كان عامّاً لم يجب تخصيصه لأجل تخصيص الصفة.
ومن أين أنّ المراد بقوله: (يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ما زعموه دون أن يكون المراد به: أنّهم يؤتون الزكاة وطريقتهم التواضع والخضوع؟
وليس من المدح إيتاء الزكاة مع الاشتغال بالصلاة، لأنّ الواجب في الراكع أن يصرف همّته ونيّته إلى ما هو فيه ولا يشتغل بغيره; قال شيخنا أبو هاشم يجب أن يكون المراد بذلك: الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة الواجبتين دون النفل… والذي فعله أمير المؤمنين كان من النفل…
فإنْ صحّ أنّه المختص بذلك، فمن أين أنّه يختص بهذه الصفة في وقت معيّن ولا ذكر للأوقات فيه، وقد علمنا أنّه لا يصح أن يكون إماماً مع الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فلا يصحّ التعلّق بظاهره..
ومتى قيل: إنّه إمام من بعد في بعض الأحوال، فقد زالوا عن الظاهر، وليسوا بذلك أوْلى ممّن يقول: إنّه إمام في الوقت الذي ثبت أنّه إمام فيه.
هذا لو سلّمنا أنّ المراد بالولي ما ذكروه، فكيف وذلك غير ثابت؟ فلا بُدّ من أن يكون محمولاً على تولّي النصرة في باب الدين، وذلك ممّا لايختص بالإمامة، ولذلك قال من بعد: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ).
وقد ذكر شيخنا أبو علي أنّه قيل: إنّها نزلت في جماعة من أصحاب النبيّ… والّذين وصفهم في هذا الموضع بالركوع والخضوع هم الّذين وصفهم من قبل بأنّه يذلّ المرتدّين بهم بقوله: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة عَلَى الْمُؤْمِنينَ)، وأراد به: طريقة التواضع، (أَعِزَّة عَلَى الْكافِرينَ…)(2).
وقد روي أنّها نزلت في عبادة بن الصامت…»(3).
أقول:
أوّلاً: هذا الكلام قد ردّ عليه بالتفصيل في كتاب الشافي والذخيرة وتلخيص الشافي.
وثانياً: لك أن تقارن بين هذا الكلام وبين كلمات المتأخّرين عنه من الأشاعرة.

(1) هو: أبو الحسن عبدالجبّار بن أحمد بن عبدالجبّار الأسدآبادي الهمداني (320 ـ 415 هـ)، صاحب التصانيف، من كبار فقهاء الشافعية، شيخ المعتزلة في عصره وعلى رأسهم في الأُصول، ورد بغداد وحدّث بها، ولي قضاء القضاة في الري.
انظر: تاريخ بغداد 11 / 113 رقم 5806، سير أعلام النبلاء 17 / 244 رقم 150. الأعلام 3 / 273، وله ترجمة في كتابنا 22 / 202.
(2) سورة المائدة (5): 54.
(3) المغني في الإمامة ج 20 ق 1 / 134 ـ 139.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *