الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

(كان أفضل الخلق بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم))
كونه أفضل الخلق بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثابت بالكتاب والسنّة والعقل والتاريخ، فالآيات الكريمة الواردة في حقّه كثيرة، والأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضله في كتب الفريقين لا تحصى، وقد وقع في بعضها التصريح بالأفضليّة، كما أنّ قراءة سيرته وقياسها بسير الآخرين طريق آخر لمعرفة ذلك، إذ الصفات التي كانت متوفّرةً فيه لا نجدها عند غيره أو هي موزّعة فيهم.
ومن هنا ذهب جماعة كبيرة من أعلام الصحابة ومشاهير التابعين وعلماء الإسلام في مختلف القرون إلى أفضليته بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد ذكر الحافظان ابن عبد البر وابن حزم أسماء بعضهم(1).
(وجعله اللّه نفس رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (وأنفسنا وأنفسكم))
وهذه الآية المباركة من جملة أدلّة أفضليته من الكتاب الكريم، وهي آية المباهلة، حيث أمر اللّه فيها النبي بمباهلة النصارى في أمر عيسى (عليه السلام)، فخرج رسول اللّه، لذلك بعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقط، فكان المراد من (أنفسنا) هو أمير المؤمنين (عليه السلام).
والأخبار في كتب الفريقين في هذه الحادثة العظيمة متواترة، وهذه جملة من مصادرها من كتب أهل السنة:
صحيح مسلم 7 / 120
مسند أحمد 1 / 185
صحيح الترمذي 5 / 596
المستدرك 3 / 150
فتح الباري 7 / 60
الكشاف 1 / 434
تفسير البغوي 1 / 481
تفسير الطبري 3 / 212
تفسير ابن كثير / 379
الدر المنثور 2 / 231 ـ 233
أحكام القرآن 2 / 14
الكامل في التاريخ 2 / 293
اسد الغابة 4 / 26
ولنا رسالة مستقلة بحثنا فيها الموضوع من جميع جوانبه، وهي إحدى حلقات سلسلتنا (إعرف الحق تعرف أهله).
(وآخاه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم))
والمؤاخاة بينهما من القضايا الثابتة كذلك.
فلقد آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه، وكان من ذلك أنْ آخى بين أبي بكر وعمر . . . فقال علي (عليه السلام) له: آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنت أخي في الدنيا والآخرة».
راجع: الترمذي 5 / 595، الطبقات الكبرى لابن سعد 2 / 60، المستدرك على الصحيحين 3 /16، مصابيح السنّة 4 / 173، الإستيعاب 3 / 1089، البداية والنهاية 7 / 371، الرياض النضرة 3 / 111، مشكاة المصابيح 3 / 356، الصواعق المحرقة: 122، تاريخ الخلفاء: 159، وغيرها . . . وهذه الروايات هي عن جمّ غفير من الأصحاب، وعلى رأسهم: أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومنهم: عبد اللّه بن عباس، وأبو ذر الغفاري، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري، وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وعبد اللّه بن عمر، وزيد بن أرقم . . .
وفي بعض الروايات أجاب علياً بقوله: «والذي بعثني بالحق ما أخّرتك إلاّ لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون بن موسى غير أنّه لا نبّي بعدي، وأنت أخي ووارثي».
ومن رواته: أحمد بن حنبل في المناقب، الحديث: 141، وابن عساكر بترجمة علي (عليه السلام) برقم 148، والمتّقي في كنز العمال 13 / 106 عن أحمد في المناقب.
وتجد خبر المؤاخاة، وأنّه آخى بينه وبين علي (عليه السلام)في سائر كتب السير والتواريخ، فراجع: سيرة ابن هشام 2 / 109، السيرة النبوية لابن حبان: 149، عيون الأثر لابن سيد الناس: 1 / 264، السيرة الحلبية 2 / 23، وفي هامشها سيرة زيني دحلان 1 / 325.
ومع هذا كلّه، فقد تعصّب ابن تيمية فكذّب خبر المؤاخاة بلا أيّ دليل(2)، فردَّ عليه كلامه غير واحد من حفّاظ أهل السنة المشاهير، كابن حجر العسقلاني، إذ قال في شرح البخاري ما نصّه ـ بعد أن ذكر من أخبار المؤاخاة عن الواقدي وابن سعد وابن اسحاق وابن عبد البر والسهيلي وابن كثير ـ: «وأنكر ابن تيميّة في كتاب الردّ على ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لعلي، قال: لأنّ المؤاخاة شرّعت لإرفاق بعضهم بعضاً، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجرى.
وهذا ردّ للنص بالقياس، وإغفال عن حكمة المؤاخاة، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى، فآخى بين الأعلى والأدنى . . .
قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني. وابن تيمية يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك . . .»(3).
وقال الزرقاني المالكي تحت عنوان «ذكر المؤاخاة بين الصّحابة رضوان اللّه عليهم أجمعين»: «وكانت ـ كما قال ابن عبد البر وغيره ـ مرّتين، الأُولى بمكّة قبل الهجرة، بين المهاجرين بعضهم بعضاً على الحق والمواساة، فآخى بين أبي بكر وعمر، و . . . وهكذا بين كلّ اثنين منهم إلى أن بقي علي فقال: آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال: أنا أخوك.
وجاءت أحاديث كثيرة في مواخاة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لعلي، وقد روى الترمذي وحسّنه والحاكم وصحّحه عن ابن عمر أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعلي: أمّا ترضى أن أكون أخاك؟ قال: بلى؟ قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة.
وأنكر ابن تيمية هذه المؤاخاة بين المهاجرين، خصوصاً بين المصطفى وعلي، وزعم أنّ ذلك من الأكاذيب، وأنّه لم يؤاخ بين مهاجري ومهاجري، قال: لأنّها شرعت لإرفاق بعضهم بعضاً . . .
وردّه الحافظ بأنّه ردّ للنص بالقياس . . .»(4).
وبما ذكرنا كفاية لمن أراد الرشاد والهداية.
(وزوّجه ابنته، وفضله لا يخفى)
نعم زوّجه ابنته الصدّيقة الطّاهرة فاطمة الزهراء، ولا يخفى فضل هذا التزويج ودلالته على أفضليّته (عليه السلام)، لوجوه مستندة إلى روايات الفريقين في هذه القضية، ونحن نكتفي بالإشارة إلى بعضها اجمالاً:
فأمّا أولاً: فلأنّ اللّه تعالى هو الّذي زوّج علياً بفاطمة وأمر بذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث قال له: «إنّي قد زوّجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى فزوّجها منه في الأرض».
وأمّا ثانياً: فلأنّ أبا بكر وعمر وغيرهما خطبوا فاطمة، فردّهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)قائلاً: «لم ينزل القضاء بعد».
وأمّا ثالثاً: فلأنّ فاطمة أفضل من الشيخين، وهذا ممّا اعترف به بعض أكابر الأئمة والحفّاظ من أهل السنة، كمالك بن أنس وأبي القاسم السهيلي، لكونها بضعة من النبي، لكنّ عليّاً (عليه السلام) كفؤها، فلو لم يخلق ما كان لها كفء، فهو أفضل منهما من هذه النّاحية أيضاً.
راجع للوقوف على الأحاديث المشار إليها في هذه الوجوه إلى: مجمع الزوائد 9 / 204 الرياض النضرة 2 / 183، ذخائر العقبى 29 ـ 31، كنز العمّال 6 / 153، 7 / 113 فيض القدير 2 / 215، 4 / 421، كنوز الحقائق 29 / 124، الصواعق: 74.
فهل يقاس سائر بنات النبي ـ على فرض كونهنّ من صلبه ـ بفاطمة؟ وهل يقاس عثمان على فرض كونه صهراً له على بنتيه بعليّ حتى يعارض تزويج علي بفاطمة بتزويج عثمان؟ هذا، بغض النظر عمّا كان منه في حقّ رقيّة، وأنّه آذى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة وفاة أُم كلثوم حتّى منعه من النزول في قبرها، وقد روى هذه القضيّة عامّة أرباب الصحاح والسنن، راجع البخاري في كتاب الجنائز، وأحمد في المسند 3 / 126، والحاكم في المستدرك 4 / 47، والبيهقي في سننه 4 / 53، والإصابة 4 / 489 وعمدة القاري 4 / 85.
(وظهرت عنه معجزات كثيرة، حتّى ادّعى قوم فيه الربوبيّة وقتلهم، وصار إلى مقالتهم آخرون إلى هذه الغاية كالغلاة والنصيرية)
فإنّ المعجزات التي صدرت منه تدلُّ دلالةً واضحةً على أفضليّته بإمامة المسلمين وخلافة رسول ربّ العالمين، وقد روى طرفاً منها كبار علماء أهل السنّة في كتبهم، وأورد بعضها العلاّمة الحلّي في كتابه (منهاج الكرامة) في الأدلّة على إمامته، المستنبطة من أحواله، مضافاً إلى كونه مستجاب الدّعوة وإخباره عن أُمور كائنة قبل أن تكون.
فلمّا رأى بعض الناس منه تلك المعجزات ونحوها، ولم يشاهدوا شيئاً منها من أحد غيره من الأصحاب، ادّعى قومٌ فيه الربوبيّة، فقضى عليهم عن آخرهم، لكنْ صار إلى مقالتهم فيما بعدُ آخرون، وهم موجودون إلى زماننا هذا، كأصحاب محمد بن نصير النميري الذين عرفوا بالنصيريّة، كانوا معاصرين للإمام الهادي علي بن محمّد العسكري، وقد لعنهم الإمام كما لعن غيره من الأئمة سائر الغلاة وكفّروهم.
وهل يجوز ترك الاقتداء بمن كان هذا حاله والمخالفة معه وسلوك غير سبيل المؤمنين؟!

(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1090، الفصل في الملل والنحل 4 / 181.
(2) منهاج السنّة 7 / 279، 361.
(3) فتح الباري في شرح البخاري: 7 / 217.
(4) شرح المواهب اللدنية 1 / 273.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *