2 ـ وجوب المودّة يستلزم وجوب الطاعة

2 ـ وجوب المودّة يستلزم وجوب الطاعة:
إنّه ليس المراد من «المودّة» هو «المحبّة المجرّدة»، لا سيّما في مثل الآية المباركة (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً…) فإنّه قد جعلت «المودّة» ـ بناءً على اتّصال الاستثناء ـ أجراً للرسالة، ومن المعلوم أنّه لولا التساوي والتناسب بين الشيء ومقابله لم يصدق على الشيء عنوان «الأجر»، وحينئذ، فإذا لاحظنا عظمة الرسالة المحمّدية عند الله وعند البشريّة، اهتدينا إلى عظمة هذا الأجر وهو «المودّة في القربى».
وكذا بناءً على الانقطاع، لأنّ الروايات قد دلّت على أنّ المسلمين اقترحوا عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يدفعوا إليه في مقابل أداء الرسالة من الأموال ما يكون معه في سعة، فأجاب ـ بناءً على هذا القول ـ بالردّ وأنّه لا يسألهم أجراً أصلا، ثمّ قال: ولكن «المودّة في القربى» فجعلها هي الشيء المطلوب منهم والواجب عليهم…
فإيجاب المودّة ـ في مثل هذا المقام، دون غيرها ممّا كان بالإمكان أن يطلبه منهم ـ يدلُّ على أنّ هذا الأمر أهمّ الأشياء عند الله والرسول.
وعلى الجملة.. ليس المراد مجرّد المودّة والمحبّة، بل هي المحبّة المستتبعة للانقياد والطاعة، قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)(1) والاتّباع يعني إطاعة الأمر كما في الآية المباركة: (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)(2).
والاتّباع، والانقياد التامّ، والإطاعة المطلقة، هو معنى الإمامة والولاية… قال العلاّمة الحلّي: «الرابعة: قوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) روى الجمهور…
ووجوب المودّة يستلزم وجوب الطاعة»(3).
وقال أيضاً: «البرهان السابع: قوله تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) روى أحمد بن حنبل…
وغير عليٍّ من الصحابة والثلاثة لا تجب مودّته، فيكون عليّ أفضل فيكون هو الإمام، ولأنّ مخالفته تنافي المودّة وبامتثال أوامره تكون مودّته، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى الإمامة»(4).
(1) سورة النساء 4: 21. وراجع التفاسير كالرازي 8/17.
(2) سورة النور 24: 54.
(3) نهج الحقّ: 175.
(4) منهاج الكرامة ـ المطبوع في آخر المجلّد الثاني من «منهاج السُنّة» ـ: 74.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *