الأقوال في المسألة

الأقوال في المسألة
أقول:
الذي يظهر من الأخبار والآثار وكلمات الأعلام: عدم الخلاف بين رجال صدر الاسلام من الصحابة وغيرهم في اختصاص آية التطهير بالنبي وبضعته ووصيه وسبطيه عليه وعليهم الصلاة والسلام… .
أمّا الأخبار فسنذكر طائفةً منها.
وأمّا الآثار، فيكفينا منها قول عكرمة البربري: «ليس بالذي تذهبون إليه، إنّما هو نساء النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم»(1)… فإنّه يفيد بكلّ وضوح أنّ ذلك كان هو الرأي السائد بين المسلمين، كما أنّ قوله هذا ـ كندائه في الأسواق بنزول الآية في زوجات النبي(2)، وقوله: من شاء باهلته أنها نزلت في نساء النبي خاصة(3) ـ يفيد أن عكرمة هو الذي أبدى هذا القول.
وأمّا كلمات أعلام الحديث والتفسير، فيكفينا منها قول الحافظ ابن الجوزي(4):
«وفي المراد بـ (أهل البيت)ها هنا ثلاثة أقوال:
أحدها: إنهم نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لأنّهنّ في بيته. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكّد هذا القول أن ما قبله وما بعده متعلّق بأزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض وهو: إنّ جمع المؤنث بالنون، فكيف قيل (عنكم) و (يطهّركم)؟
فالجواب: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيهنَّ، فغلب المذكر.
والثاني: إنّه خاص في: رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين. قاله أبو سعيد الخدري. وروي عن: أنس وعائشة وأُمّ سلمة نحو ذلك.
والثالث: إنهم أهل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأزواجه. قاله الضحّاك»(5).
أقول:
ومن هذا الكلام نفهم:
1 ـ إن هذه الأقوال هي في المراد من «أهل البيت» (هاهنا).
2 ـ إنّ القول باختصاص الآية بالخمسة الطاهرة لا يختص بالشيعة الإمامية.
3 ـ إنّ زوجات النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنفسهن من القائلين بالاختصاص.
4 ـ إن القولين الأول والثالث لم يقل بهما أحد من الصحابة، أمّا الثالث، فهو للضحّاك فقط. ـ كما قال ـ وأمّا الأول، فلم ينسب إلى أحد منهم سوى ابن عباس، وهذا ممّا لم يصحّ عنه، بل ستعلم أنه من القائلين بالاختصاص.
5 ـ إنّ عمدة القائلين بالأول هو: عكرمة البربري. وقد قدّمنا ما كان يقوله في هذه الآية ويصرّ عليه إلى حدّ المباهلة!! بل إن الطبري لم ينسب القول الأوّل إلاّ إليه… فإنّه قال: «واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله (أهل البيت) فقال بعضهم عني به: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ـ رضوان اللّه عليهم. ذكر من قال ذلك» فروى بأسانيده القول بذلك عن: أبي سعيد الخدري، وعائشة، وأنس، وأبي الحمراء، وأُمّ سلمة، وعلي بن الحسين السجاد عليه السلام وغيرهم(6) ثم قال: «وقال آخرون: بل عنى أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. ذكر من قال ذلك: حدّثنا ابن حميد قال: ثنا يحيى بن واضح قال: ثنا الأصبغ، عن علقمة قال: كان عكرمة ينادي في السوق: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال: نزلت في نساء النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خاصّة»(7).
فهو لا يروي القول الآخر إلاّ عن عكرمة، كما أن عكرمة لا يرويه عن أحد من الصحابة وإنّما هو قول من عنده.
6 ـ إنّ الاعتراض على القول الأول ـ من الأقوال الثلاثة التي ذكرها ابن الجوزي ـ بمجيء (عنكم) و (يطهّركم) دون (عنكنّ) و (يطهّركنّ) اعتراض وارد حتّى عند مثل ابن الجوزي ـ ولا بدَّ له من جواب مقبول، فإنّ ما أتى به ابن الجوزي تمحّل واضح وتعسّف بيّن، ولقد كان هذا الاعتراض هو الوجه ـ بالاضافة إلى الأحاديث ـ في سقوط قول عكرمة، عند غير واحد من أعلام القوم، كالحافظ أبي حيّان الأندلسي، فإنّه بعد أن ذكر قول عكرمة ومن تبعه قال: «ليس بجيّد، إذ لو كان كما قالوا لكان التركيب عنكنّ ويطهّركنّ، وإن كان هذا القول مرويّاً عن ابن عباس فلعلّه لا يصحّ عنه»(8).
وإنّي لأتعجّب ممن يتّبع عكرمة في القول باختصاص الآية بالأزواج، أو يتبع الضحاك في القول بنزولها فيهنّ وفي أهل البيت، لأنهم يدّعون للأزواج ما لا يدّعينه لأنفسهنّ(9)!
على أنّ عكرمة ومن قال بقوله من بعده، وكذا الضحّاك إن صح ما نسب إليه ابن الجوزي… لا يصلحون لأن يتّبعهم أحدٌ في أقوالهم، لما جاء بتراجمهم في كتب الرجال:

(1) الدر المنثور 5 / 198.
(2) تفسير الطبري 22 / 7، ابن كثير 3 / 415، اسباب النزول: 268.
(3) الدر المنثور 5 / 198، ابن كثير 3 / 415.
(4) هو الحافظ أبو الفرج عبدالرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي الحنبلي البغدادي المتوفّى سنة 597، له مؤلفات كثيرة في علوم شتّى. وقد اعتمد عليه «الدكتور» في بحوثه.
(5) زاد المسير في علم التفسير 6 / 381 ـ 382.
(6) سنذكر رواياته بالتفصيل.
(7) تفسير الطبري 22 / 7.
(8) البحر المحيط 7 / 231.
(9) ونظير هذا: القول بعدالة الصحابة أجمعين، فإن الصحابة أنفسهم لم يكونوا يرون هذا، كما دلّت عليه أقوالهم وأفعالهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *