النقل و الاعتماد على المتعصّبين

النقل و الاعتماد على المتعصّبين
هذا، وفي المقابل نراه يعتمد على من هو موصوف عندهم بالتعصّب، ويدافع عمّن ذكروا له القوادح الكثيرة المسقطة عن الاعتبار; ومن ذلك:
* دفاعه عن الجاحظ:
لقد نقل العلاّمة رحمه اللّه عن الجاحظ مطلباً في مقام الاحتجاج والإلزام قائلا: «قال الجاحظ، وهو من أعظم الناس عداوةً لأمير المؤمنين عليه السلام»(1).
فقال الفضل: «وأمّا ما ذكر أنّ الجاحظ كان من أعدائه، فهذا كذب»(2).
أقول:
قال ابن تيميّة في كلام له: «نعم، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم، كالّذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم، يقولون: إنّه كان في قتاله على الحقّ مجتهداً مصيباً، وإنّ عليّاً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنّفات، مثل المروانية الذي صنّفه الجاحظ»(3).
فانظر من الكاذب؟! وهل الفضل أكثر تعنّتاً من ابن تيميّة؟!
وإن شئت التفصيل، فارجع إلى الجزء السادس من كتابنا الكبير(4).
* اعتماده على ابن الجوزي في كتاب «الموضوعات»:
لقد حكم الفضل على كثير من أحاديث مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام بالبطلان والوضع، ولمّا لم يكن عنده أيّ دليل على مدّعاه، ذكر كلام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه الموضوعات!
فمن ذلك ردّه على استدلال العلاّمة بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «كنت أنا وعليٌّ بن أبي طالب نوراً بين يدي اللّه…» بقوله: «ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتاب الموضوعات من طريقين، وقال: هذا حديث موضوع على رسول اللّه…»(5).
كما إنّه طعن في بعض الرواة الّذين نقل عنهم العلاّمة، ولم يذكر دليلا على طعنه إلاّ كلام ابن الجوزي في كتاب الموضوعات… .
ومن ذلك قوله في الكلبي: «قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات: «وكان من كبار الكذّابين: وهب بن وهب القاضي، ومحمّد بن السائب الكلبي، و…» قال: «والغرض أنّ محمّد بن السائب الكلبي من الكذّابين الوضّاعين»(6).
أقول:
ونحن مضطرّون هنا إلى ذِكر بعض كلمات أئمّة القوم في ابن الجوزي وفي خصوص كتاب الموضوعات، ليتبيّن السبب الحقيقي لاعتماد الفضل عليه وعلى كتابه في مقابلة العلاّمة في مثل هذه المواضع، ولكي تعرف حقيقة حال الفضل أيضاً!
قال الذهبي ـ بترجمة أبان بن يزيد العطّار ـ : «قد أورده العلاّمة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه. وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق»(7).
وقال بترجمة ابن الجوزي: «كان كثير الغلط في ما يصنّفه… له وهم كثير في تواليفه…»(8).
وقال ابن حجر الحافظ ـ بترجمة ثمامة بن الأشرس، بعد قصّة ـ : «دلّت هذه القصّة على إنّ ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقد ما يحدّث به»(9).
وقال السيوطي: «قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه»(10).
وقال السيوطي: «واعلم أنّه جرت عادة الحفّاظ ـ كالحاكم وابن حبّان والعقيلي وغيرهم ـ أنّهم يحكمون على حديث بالبطلان من حيثية سند مخصوص، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفاً من وجه آخر، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به، فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع مطلقاً، ويورده في كتاب الموضوعات، وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر»(11).
وقال السيوطي بشرح النواوي مازجاً بالمتن: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين، أعني أبا الفرج ابن الجوزي، فذكر في كتابه كثيراً ممّا لا دليل على وضعه، بل هو ضعيف، بل وفيه الحسن والصحيح، وأغرب من ذلك أنّ فيها حديثاً من صحيح مسلم! قال الذهبي: ربّما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حساناً قويّة»(12).
أقول:
فهل كان ابن روزبهان جاهلا بحال ابن الجوزي وكتابه؟!

(1) نهج الحقّ: 253، وانظر: دلائل الصدق 2 / 564.
(2) دلائل الصدق 2 / 565.
(3) منهاج السُنّة 4 / 399.
(4) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار 6 / 260 ـ 310.
(5) دلائل الصدق 2 / 349.
(6) دلائل الصدق 3 / 572.
(7) ميزان الاعتدال 1 / 130 رقم 20.
(8) تذكرة الحفّاظ 4 / 1347 رقم 1098.
(9) لسان الميزان 2 / 83.
(10) طبقات الحفّاظ: 480.
(11) التعقيبات على الموضوعات ـ مقدّمة الكتاب / طبعة الهند.
(12) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي 1 / 278.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *