سماحة آية الله السيّد علي الميلاني – حفظه الله – (لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)، ولئن عُدتَ عليّ بكريم الخطاب، فلفضل الشيوخ على الشباب، وإني وإنْ كنتُ لا أرى فيما كتبتُ إساءةً، ولكني أستغفر الله ربي وأتوب إليه من كل خطأٍ لم يكن مقصودًا أو لم ألتفت إليه، ومن سوءِ الخطاب ومجانبةِ الآداب، ومن زلّات اللسان ونزَغات الشيطان، والشكرُ مني موصول مع الاحترام والتقدير وعِرفان الجميل إلى علمائنا الأعلام ومراجعنا العظام … ولكن ماذا أفعل وقد قررتُ البحثَ عن الحقيقة (حقيقة العقيدة) ولم أشأْ أنْ أُخادِع نفسي وَلا أنْ أُخْدَعَ بغيري فرأيتُ أنْ أعرفَ بنفسي وأنْ أَحْكم بحسّي لا بحسِّ غيري، مُلتجأً في ذلك إلى أقوال العلماء في هذه البحوث مبتعدًا فيها عن تقديس الموروث خلا القرآن الكريم وعن الخضوع للفقهاء والتسليم لأقوال العلماء … وإني أنتظر منك أن تجيبني جواب من يهمّه إظهار الحقائق وإزاحة الشبهات عن قلوب الخلائق (فإذا ظهرت الفتنُ في آخر الزمان، فعلى العالم أن يُظهر علمه). وها هنا سؤالان أفدني بجوابهما مشكورا: (1) إذا قام الباحث الأكاديمي بالبحث العلمي في مسألة فقهية أو عقائدية من خلال النظر في الروايات والمقارنة بين أقوال العلماء وتحكيم العقل وتوصَّل إلى نتيجة هي خلاف ما يقول به مقلده من المراجع وجزم بخطئه واطمأنَّ إلى تلك النتيجة بحيث يستطيع الدفاع عنها وردّ الإشكالات حولها فهل يُعتبَر هذا الباحث مجتهدًا في هذه المسألة وهل يلزمه العمل أو الاعقاد حسب ما وصل إليه؟ (2) قد ذكر لي بعض العلماء أنّه لا يجوز تشكيك الناس في عقائدهم. فما الدليل على هذه الفتوى من الكتاب والسُّنة والعقل؟ ولماذا يُحرّمون على الناس التفكير في العقائد والرجوع إلى العقل؟ ولماذا يريدون للناس أن يبقوا في ظلمات الجهل يُسلِّمون لكلِّ ما يقولون لا يفكرون ولا ينتقدون ولا يعترضون؟ ولماذا يحرّمون عليهم ما أمرهم به الله: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)، وقال: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)؟ وما الذي يُلزِمُ الأخلاف بما قرّره الأسلاف؟ قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ). وإذا كنتُ أرى أنَّ هذه العقائد باطلة وتلك الممارسات فاسدة؛ فلماذا يحرم عليَّ أنْ أتكلَّمَ بذلك، وأبيّنَ وجهةَ نظري للناس، وأقدِّمَ أدلَّتي، وأوضّحُ فكرتي، (أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) … ولماذا يُحاربُ هؤلاء العلماءُ المصلحين؟ ولماذا يقمعون المفكرين والباحثين (بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ؛ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ). إنّهم في الوقت الذي أوجبوا فيه الاجتهاد في العقائد (نظريًّا) حرَّموه عليهم (عمليًّا)، وإلا فلماذا يُحَارِبون من يُنكرُ زيارة عاشوراء وأحاديثَ الكساء أو يُشكّك في اللعن والبراء وما جرى على الزهراء؟ ولماذا يمنعون النّاس ممن ينكر الجزع على سيّد الشهداء وما في تربته من الشفاء؟! وما معنى فتاوى التضليل والتسقيط والتحذير والإقصاء؟! (قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)؟! ولماذا تُصادَر الآراء وَتُمْنَع؟ ولماذا تُحَارَب الأبحاث وتُقمَع؟ حتّى كأنَّ الدّين الإسلامي بكتابه وسنته، وسائر بيّناته وأدلّته من أملاكهم الخاصة وأنّهم لم يبيحوا التصرّف به على غير رأيهم، فهل كانوا ورثة الأنبياء، أم ختم الله بهم الأئمة والأوصياء، وهل خصَّهم ربّهم بالعقول والأفهام وعلَّمهم علم ما كان وعلم ما بقي، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين. كلا بل كانوا كغيرهم من أعلام العلم ورعاته، وسدنته ودعاته، وليس لدعاة العلم أن يوصدوا بابه، أو يصدوا عن سبيله …

بسمه تعالى
السلام عليكم
1ـ فرقٌ بين المسألة العقائدية والفقهيّة، ففي العقائديّة لابدّ عندنا من النظر في الأدلّة ولا تقليد في أصول الدين، ولكنّ التوصّل إلى النتيجة المبرءة للذمّة يحتاج إلى طرح ما اطمئنّ به خلافاً للمشهور بين العلماء مع أهل الاختصاص. وأمّا الفقهيّة، فالمطلوب من غير المجتهد هو التقليد، والاجتهاد ولو في مسألةٍ واحدة ليس من السّهل لكلّ أحدٍ فليكنْ عن تقليده ويعمل بفتيا مقلَّده.
2ـ التشكيك هو إلقاء الشك والشبهة على من هو على يقينٍ، واليقين حجّة وإخراج المتيقّن من عالم اليقين إلى عالم الشكّ غير جائز، وهذا غيرُ تعليم الجاهل وتنبيه الغافل، والآيات التي ذكرتموها في مورد الكفر والكفّار وكلامنا في أهل الاسلام ممّن حقّق وفحص وتأمّل وفهم على حسب الموازين الموازين المقرّرة، وإنكار الحقائق الثابتة كزيارة عاشورا وحديث الكساء وما جرى على الزهراء والجزع على سيّد الشهداء وغير ذلك غير جائز كذلك، وقد تقدّم بيننا الكلام على هذه الامور، فإيّاكم إيّاكم والإنكار لها فإنه من عمل أتباع الغرور أعاذكم الله بمحمد وآله.
8801
8801
تم طرحه بواسطة: mohammed ali mohamme

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *