الجهة الأُولى: في متن الحديث و رواته

أقول:
يقع الكلام في هذا المقام في جهات:
الجهة الأُولى: في متن الحديث ورواته.
لقد روى الشيخ علي المتّقي الهندي هذا الحديث في كتابه الكبير (كنز العمّال) بعدّة ألفاظ، عن جمع كثير من أئمّة الحديث، ونحن نورد هنا محلّ الحاجة، ومَنْ أراد النصوص الكاملة فليرجع إليه:
(36408) ـ «… عن عليّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ) جمع النبيّ صلّى اللّه عليه وآله من أهل بيته، فاجتمع ثلاثون، فأكلوا وشربوا، فقال لهم: مَنْ يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ويكون خليفتي في أهلي؟ وقال رجل: يا رسول اللّه؟ أنت كنت بحراً، مَنْ يقوم بهذا؟! ثمّ قال الآخر. فعرض هذا على أهل بيته واحداً واحداً.
فقال عليّ: أنا.
حم، وابن جرير وصحّحه، والطحاوي، والضياء»(1).
(364419) ـ «… عن عليٍّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ)… تكلّم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله فقال: يا بني عبدالمطلّب! إنّي ـ واللّه ـ ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على أمري هذا(2)؟
فقلت ـ وأنا أحدثهم سنّاً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً ـ : أنا يا نبيّ اللّه أكون وزيرك عليه.
فأخذ برقبتي فقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ.
ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم والبيهقي معاً في الدلائل»(3).
(36465) ـ «… عن عليّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ) دعا بني عبدالمطلّب… ثمّ قال لهم ـ ومدّ يده ـ : مَنْ يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليّكم من بعدي؟!
فمددت وقلت: أنا أبايعك، وأنا يومئذ أصغر القوم، عظيم البطن، فبايعني على ذلك… (قال:) وذلك الطعام أنا صنعته.
ابن مردويه»(4).
(36520) ـ «… عن عليٍّ إنّه قيل له: كيف ورثت ابن عمّك دون عمّك؟!
فقال: جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بني عبدالمطّلب… فقال: يا بني عبدالمطّلب! إنّي بعثت إليكم خاصّة وإلى الناس عامّةً، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم، فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه ـ وكنت من أصغر القوم ـ فقال: اجلس. ثمّ قال ثلاث مرّات. كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس. حتّى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي. قال: فلذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي.
حم، وابن جرير، والضياء»(5).
أقول:
وهذا سند الرواية الأُولى ـ التي رواها المتّقي برقم (36408) عن أحمد، وابن جرير وصحّحه، والطحاوي، والضياء ـ في مسند أحمد: «أسود بن عامر، ثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال، عن عباد بن عبداللّه الأسدي، عن عليٍّ»(6).
وهذا سند الرواية الأخيرة ـ التي رواها برقم (36520) عن أحمد، وابن جرير، والضياء ـ في مسند أحمد: «عفّان، ثنا أبو عوانة، عن عثمان ابن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجذ، عن علي رضي اللّه عنه، قال: جمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بني عبدالمطلّب…»(7).
وقد أخرج الحافظ الهيثمي الرواية الأُولى، ثمّ قال: «رواه أحمد، ورجاله ثقات»(8).
وأخرج النسائي أيضاً الرواية الأخيرة ـ بسند أحمد بن حنبل نفسه ـ في خصائص سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام(9)، وأهل العلم يعلمون بأنّ هذا الكتاب جزء من سنن النسائي. ولا يخفى عليهم أيضاً صحّة السند المذكور.
وأخرجه الهيثمي: «عن عليٍّ، قال: لمّا نزلت (وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ اْلأَقْرَبينَ)، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: يا عليّ! اصنع رجل شاة بصاع من طعام واجمع لي بني هاشم… فأكلوا وشربوا، فبدرهم رسول اللّه فقال: أيّكم يقضي عنّي ديني؟ قال: فسكت وسكت القوم. فأعاد رسول اللّه المنطق. فقلت: أنا يا رسول اللّه. فقال: أنت يا عليّ، أنت يا عليّ.
رواه البزّار ـ واللفظ له ـ وأحمد باختصار، والطبراني في الأوسط باختصار أيضاً، ورجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة»(10).
أقول:
فهذه نصوص الحديث، وهؤلاء رواته.
وأمّا من حيث السند، فقد رأيتَ كيف ينصّون على صحّته.
وأمّا من حيث الدلالة، فكلُّ لفظ دليل على إمامة عليٍّ عليه السلام بعد رسول اللّه، وهو بمجموع ألفاظه من أقوى النصوص سنداً ودلالةً على ذلك.

(1) كنز العمّال 13 / 128 ـ 129، و«حم»: رمز أحمد في المسند، و«الضياء»: هو المقدسي صاحب كتاب المختارة.
(2) وفي تفسير البغوي 4 / 278 ـ الملتزم فيه بالصحّة ـ توجد هنا إضافة: «ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم».
(3) كنز العمّال 13 / 131 ـ 133.
(4) المصدر 13 / 149.
(5) كنز العمّال 13 / 174.
(6) مسند أحمد 1 / 178.
(7) المصدر 1 / 257.
(8) مجمع الزوائد 8 / 302.
(9) خصائص أمير المؤمنين عليّ: 66 رقم 99.
(10) مجمع الزوائد 8 / 302.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *