تخريج الحديث الثالث

الحديث الثالث
أخرجه الحافظ أبو القاسم البغوي:
«حدثنا محمد بن حميد، نا علي بن مجاهد، نا محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبداللّه، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة عن أبيه، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لكلّ نبي وصي ووارث وإنَّ عليّاً وصيي ووارثي»(1).
وعنه الحافظ ابن عساكر قال:
«أخبرنا أبو القاسم البغوي…»(2).
والحافظ ابن الجوزي، قال:
«أنبأنا علي بن عبيداللّه الزاغوني قال: أنبأنا أحمد بن محمد السمسار قال: حدّثنا عيسى بن علي الوزير قال: حدّثنا البغوي، قال: حدّثنا محمد بن حميد الرازي قال: حدّثنا عليّ بن مجاهد قال: حدّثنا محمد بن إسحاق عن شريك بن عبداللّه، عن أبي ربيعة الإيادي عن ابن بُريدة عن أبيه قال: قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: «لكلّ نبيّ وصيّ، وإنّ عليّاً وصيّ ووارثي»(3).
وأخرجه الحافظ ابن عساكر عن طريق آخر، قال: «أخبرنا أبو علي الفراوي وأبو محمد السيّدي، وأبو القاسم الشحامي، قالوا: أنا أبو سعد الجنزرودي، أنا عبدالوهّاب بن محمّد بن عبدالوهّاب الرازي، نا يوسف بن عاصم الرازي، نا محمّد بن حميد، نا علي بن مجاهد، عن محمّد بن إسحاق، عن شريك بن عبداللّه النخعي، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً ووارثاً، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي».
وأخرجه الحافظ ابن عدي; إذ قال بترجمة شريك بن عبداللّه النخعي: «قد روى عنه من الأجلاّء: محمّد بن إسحاق صاحب المغازي و… فأمّا حديث محمّد بن إسحاق، فحدّثنا محمّد بن منير، ثنا علي بن سهل، ثنا محمّد بن حميد، ثنا سلمة، حدّثني محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبداللّه، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: لكلّ نبيّ وصيّ ووارث، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي»(4).
أقول: وقد تُكلّم في هذا الحديث; لأنّ فيه: (محمد بن حُميد الرازي)، فمن هو هذا الرجل؟
قال المزّي: «روى عنه: أبو داود والترمذي وابن ماجة».
ثمّ ذكر في الرواة عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى الذهلي، ويحيى بن معين، وعبداللّه بن محمد بن عبدالعزيز البغوي، ومحمد بن إسحاق الصاغاني، ومحمد بن جرير الطبري، وعبداللّه بن أحمد بن حنبل… .
ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ(5).
وقال الخطيب البغدادي: «قدم بغداد وحدّث بها عن… روى عنه: أحمد بن حنبل، وابنه عبداللّه بن أحمد، والحسن بن علي بن شبيب المعمري، وأحمد بن علي الأبار، وعبداللّه بن محمد البغوي، ومحمد ابن محمد الباغندي، وغيرهم…» ثمّ ذكر كلمات المدح والذمّ له(6).
وقال ابن عدي: «محمد بن حميد: أبو عبداللّه الرازي، حدّثني محمّد بن ثابت، سمعت بكر بن مقبل يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ثلاثة ليس لهم عندنا محاباة، فذكر فيهم محمّد بن حميد.
سمعت محمد بن إبراهيم المنقري يقول: سمعت فضلك الصائغ يقول: قال أبو زرعة الرازي: سمعت أبا عبداللّه محمد بن حميد وكان عندي ثقة. ذكره في قصّة.
حدّثنا الجنيدي، ثنا البخاري، قال: محمد بن حميد الرازي، عن يعقوب القمّي وجرير، فيه نظر.
سمعت ابن حمّاد يقول: قال السعدي: محمد بن حميد الرازي كان رديء المذهب، غير ثقة.
ثنا القاسم بن زكريا، ثنا محمد بن حميد، حدّثنا علي بن مجاهد وحكام وهارون، عن عنبسة، عن أبي هاشم الواسطي، عن ميمون بن سياه، عن أنس، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله في قوله: (سِدْرَةِ الْمُنْتَهى)(7)، قال شجرة نبق.
حدّثنا أحمد بن محمد بن عبدالعزيز بن الجعد، ثنا محمد بن حميد، ثنا جرير، عن سليمان بن أرقم، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر: أنّه سمع النبيّ صلّى اللّه عليه وآله يقرأ: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(8)، وسمعته يقول: (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ في صُدُورِ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(9).
ثنا إسماعيل بن حمّاد أبو النضر، ثنا محمّد بن حميد، حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة بن سعيد، عن سالم الأفطس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة: إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: قوموا فصلّوا على أخيكم النجاشي، فصفّوا خلفه كما يصفّون على الجنازة، وكبّر عليه أربعاً.
قال الشيخ: وتكثرتْ أحاديث ابن حُميد التي أُنكرت عليه إن ذكرناها، على أنّ أحمد بن حنبل قد أثنى عليه خيراً، لصلابته في السنّة»(10).
وإنّما ذكرنا كلام ابن عدي بتمامه، لأُمور:
الأوّل: إنّه قد أورد حديث الوصيّة بترجمة شريك، ولم يورده بترجمة محمد بن حميد، مع أنّه قد أورد أحاديث أُخر.
والثاني: إنّه قد استشهد بحديث الوصيّة لرواية محمد بن إسحاق عن شريك، ولم يذكر حديثاً آخر ـ بخلاف غير ابن إسحاق من الرواة عن شريك، فذكر أكثر من حديث ـ وذلك ظاهر في أنّ لا رواية له عنه غيرها، فلو كان حديث الوصيّة موضوعاً لما استشهد به على كون شريك من مشايخ ابن إسحاق.
والثالث: إنّ ابن عدي لم يقدح في محمّد بن حميد، بل إنّ كلمته في آخر كلامه بترجمته ظاهرةٌ في المدح، غير أنّ في أحاديثه ما أُنكر عليه.
وبعد…
فإنّ الرجل قد تضاربت آراء العلماء فيه; ففي تهذيب الكمال: «قال أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف الحافظ: قلت لمحمّد بن يحيى الذهلي: ما تقول في محمد بن حميد؟
قال: ألا تراني؟! هو ذا أُحدّث عنه.
قال: وكنت في مجلس أبي بكر الصاغاني محمد بن إسحاق، فقال: حدّثنا محمد بن حميد.
فقلت: تحدّث عن ابن حميد؟!
فقال: وما لي لا أُحدّث عنه، وقد حدّث عنه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين؟!».
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال البخاري: حديثه فيه نظر.
قال الجوزجاني: رديء المذهب، غير ثقة.
ولدى التحقيق يظهر: إنّ الموثّقين له أكثر وأكبر ممّن تكلّم فيه، لا سيّما وأنّ المنقول عن البخاري: «حديثه فيه نظر»، فليس النظر فيه نفسه، كما أنّ مفاد كلام الجوزجاني هو الطعن في مذهبه، لكنّ المنقول عن أحمد أنّه قد أثنى عليه خيراً «لصلابته في السُنّة» ; فكيف الجمع بين هذا وكونه رديء المذهب؟!
بل لقد وقع التضارب بين رأي أحمد، ورأي البخاري في حديثه; ففي الكامل عن البخاري: «محمد بن حميد الرازي، عن يعقوب القمّي وجرير، فيه نظر»، لكن في تاريخ بغداد عن أحمد: «أمّا حديثه عن ابن المبارك وجرير، فهو صحيح».
وفي الكامل: «على أنّ أحمد بن حنبل قد أثنى عليه خيراً لصلابته في السُنّة»، لكن في الميزان: «قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو أخذت الإسناد عن ابن حميد; فإنّ أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه؟ قال: إنّه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلا».
بل لقد نسبت الآراء المتضاربة إلى الواحد منهم; ففي الكامل: «عن فضلك الصائغ، عن أبي زرعة، أنّه وثّق محمد بن حميد»، لكن في الميزان: «كذّبه أبو زرعة»!!
وتلّخص:
1 ـ إنّ محمد بن حميد الرازي من رجال ثلاثة من الصحاح الستّة… .
2 ـ إنّه من مشايخ عدّة كبيرة من الأئمة الأعلام الّذين لا تجوز نسبة الرواية عن الكذّابين إليهم، وإلاّ لتوّجه الطعن عليهم.
3 ـ إنه قد وثقه غير واحد من الأئمة المرجوع إليهم عندهم في الجرح والتعديل.
4 ـ إنّ كلمات القوم في الأكثر ترجع إنكار بعض أحاديث الرجل.
5 ـ نعم، قد طعن فيه الجوزجاني، لكنّه من مشاهير النّواصب(11)، وطعن فيه أيضاً ابن خراش، الّذي كذّب حديث «انّا معاشر الأنبياء…» وخرَّج مثالب أبي بكر وعمر(12).
6 ـ إنّ الرجل بريء من تلك الأحاديث التي أنكروها عليه; ولذا قال المزّي في تهذيب الكمال: «قال أبو بكر بن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن محمّد بن حميد الرازي؟
فقال: ثقة ليس به بأس، رازي كيّس.
وقال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي، سمعت يحيى بن معين يقول: ابن حميد ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدّث بها ليس هو من قبله، إنّما هو من قبل الشيوخ الّذين يحدّث عنهم».
وحديث الوصيّة ليس منها; لأنّه قد ذكر ـ في الكامل وتبعه في الميزان ـ بترجمة «شريك القاضي» وهو من شيوخه الثقات، وهنا تحيّر الذهبي، فكذّب بالحديث زوراً وبهتاناً: «ولا يحتمله شريك».

قلت:
ولماذا لا يحتمله شريك، وقد رويتم عنه بالأسانيد أنّه روى عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلّى اللّه عليه وآله، قال: «عليّ خير البشر، فمن أبي فقد كفر»؟!
قال ابن عدي: «وقول شريك رواه رجل من أهل الكوفة يقال له: الحرّ بن سعيد، وقد رواه عن الحرّ غير واحد. وروى عنه أحمد بن يحيى الصوفي وقال: ثنا الحرّ بن سعيد النخعي ـ وكان من خيار الناس ـ »(13).
فظهر: أنّه ليس الراوي عنه بعض الكذّابين، كما زعم الذهبي ذلك زوراً وبهتاناً(14).
هذا، وقد عرفت أنّ لهذا الحديث طرقاً عديدة، ومنها طريق الحاكم ـ وليس فيه محمد بن حميد ـ وقد أخرجه ابن الجوزي; إذ قال:
«أنبأنا زاهربن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، قال: أنبأنا الحاكم أبو عبداللّه النيسابوري، قال: أنبأنا محمود بن محمد أبو محمد المطوعي، قال: حدّثنا أبو حفص محمد بن أحمد بن رازبه، قال: حدّثنا أبو عبدالرحمن أحمد بن عبداللّه الفرياني، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبداللّه، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «إنّ لكلّ نبي وصيّاً ووارثاً، وإنّ وصيّي ووارثي عليّ بن أبي طالب».
قال ابن الجوزي: «الفرياني; قال ابن حبّان: كان يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم..
وفيه: سلمة; قال ابن المديني: رمينا حديث سلمة بن الفضل»(15).
أمّا صاحب تنزيه الشريعة فلم يقل إلاّ: «حديث: لكلّ نبيّ وصيّ وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي (حا) من طريق أحمد بن عبداللّه الفرياني»(16).

(1) معجم الصحابة 4 / 363.
(2) تاريخ مدينة دمشق 42 / 30.
(3) الموضوعات 1 / 376.
(4) الكامل في ضعفاء الرجال 5 / 21.
(5) تهذيب الكمال 25 / 99.
(6) تاريخ بغداد 2 / 259.
(7) سورة النجم: الآية 14.
(8) سورة الرعد: الآية 43.
(9) سورة العنكبوت: الآية 49.
(10) الكامل في الضعفاء 7 / 529 ـ 530.
(11) تذكرة الحفّاظ 2 / 459، تهذيب التهذيب 1 / 159.
(12) سير أعلام النبلاء 13 / 509.
(13) الكامل في ضعفاء الرجال 5 / 14 ـ 15.
(14) ميزان الاعتدال 2 / 271 ـ 272.
(15) كتاب الموضوعات 1 / 376.
(16) تنزيه الشريعة المرفوعة 1 / 356. و«الغرياناني» غلط مطبعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *