أن يرجعا بعد الحكم و تسليم المال ولكن عينه قائمة

الصورة الرابعة: أن يرجعا بعد الحكم وتسليم المال إلى المحكوم له لكن عينه قائمة.
وفي هذه الصورة قولان. قال المحقق:
«أما لو حكم وسلم، فرجعوا والعين قائمة، فالأصح أنه لا ينقض ولا تستعاد العين. وفي النهاية: ترد على صاحبها. والأول أظهر»(1).
أقول: إن الحكم بعدم نقض الحكم في صورة تسليم المحكوم به إلى المحكوم له، أولى من الحكم به في صورة عدم استيفائه له، وأما ضمان الشاهدين، فن الحكم المستند إلى شهادتهما أوجب خروج المال عن ملك المحكوم عليه، فهو كالتلف، نظير الإلقاء في البحر، ورجوع الشاهدين كالإقرار بالإتلاف، فهما ضامنان لهذا المال.
وهذا القول هو الأصح، وفاقاً للمحقق، بل المشهور، بل قيل: إن عليه عامة المتأخرين، بل والقدماء كما في (الجواهر)(2).
وذهب الشيخ في (النهاية) إلى نقض الحكم وردّ العين على صاحبها حيث قال: وإن كان رجوعهما بعد حكم الحاكم غرما ما شهدا به، إذا لم يكن الشيء قائماً بعينه، فإن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه، ولم يلزما شيئاً(3)، وقد تبعه عليه بعضهم.
قال في (الجواهر): لا لما ذكروه لهم من الوجوه الواضحة الفساد(4)، بل لما عن جامع المقاصد من الرواية بذلك، بل قيل: يمكن أن تكون هي رواية جميل عن الصادق عليه السلام: «في شاهد الزور قال: إن كان الشيء قائماً بعينه ردّ على صاحبه، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل»(5).
وإن كان فيه ما لا يخفى(6).
وفيه: إن النقض في مفروض السؤال في الخبر على القاعدة، لأن الحكم مستند إلى شهادة زور فهو ساقط، وإذا سقط والعين تالفة ثبت الضمان، من جهة قوة السبب على المباشر، ولا يصلح هذا الخبر دليلاً على النقض في محلّ الكلام وهو الرجوع عن الشهادة، فإنه لا يثبت من الرجوع كون الشهادة زوراً، بل يتردد الأمر بين صدق الشهادة الاولى والشهادة الثانية.
وبما ذكرنا يظهر ما في كلام (كشف اللثام) من اختياره لهذا القول معلّلاً له بأن الرجوع كشف عن بطلان ما استند إليه الحكم من الشهادة، لظهور كذبهم في أحد القولين، والأصل براءتهم من الغرامة(7). لأن المفروض هو التردد بين صدق الاولى والثانية.
وأما مع العلم ببطلان الشهادة الاولى، فلا كلام في النقض.

(1) شرائع الإسلام 4 : 143.
(2) جواهر الكلام 41 : 223.
(3) النهاية : 336.
(4) أقول: أما الوجوه ، فقد ذكرها صاحب المستند وأجاب عنها وهذا نص عبارته: واستدلّ لهم بأن الحق ثبت بشهادتهما، فإذا رجعا سقط كما لو كان قصاصاً، ولأن الحكم دوامه يكون بدوام شهادتهما كما أن حدوثه كان بحدوثها. (قال): والأول عين النزاع، والقياس على القصاص مع الفارق، لأن الشبهة في القصاص مؤثرة، والأخير يصح لو قلنا بأن العلة المبقية هي العلّة الموجدة، وهو غير لازم ( مستند الشيعة 18 : 430 ).
وأما جامع المقاصد فليس فيه كتاب الشهادات، ولعلّ المراد هو كتاب الجامع للشرائع. أنظر ص 546 منه . وأما الاستدلال بخبر جميل فهو في الكفاية ( كفاية الاحكام 2 : 785 ) حيث استدلّ به لهذا القول معبراً عنه بالصحيحة ، ثم قال: ولا يبعد ترجيح هذا القول. قال في المستند : وهو كما قاله بعض مشايخنا المعاصرين غفلة واضحة… فذكر ما قال صاحب الجواهر.
(5) وسائل الشيعة 27 : 327/2 . كتاب الشهادات ، الباب 11.
(6) جواهر الكلام 41 : 224.
(7) كشف اللثام 10 : 387.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *