الثانية: حكم ما لو لم يعرف عدالة البيّنة

المسألة الثانية

( حكم ما لو لم يعرف عدالة البيّنة )

قال المحقق قدّس سرّه: « إذا أقام المدّعي بينة ولم يعرف الحاكم عدالتها فالتمس المدّعي حبس المنكر ليعدّلها، قال الشيخ رحمه الله يجوز حبسه لقيام البيّنة بما ادّعاه، وفيه إشكال، من حيث لم يثبت بتلك البيّنة حق يوجب العقوبة »(1).
أقول: في المسألة قولان، وقد جعل بعضهم الخلاف في المسألة مبنيّاً على الخلاف في أن العدالة في البيّنة شرط، فما لم يحرز الشرط لا يعتبر بها، فيكون قيام البيّنة غير المعلوم عدالتها كالعدم، أو أن فسقها مانع عن الحكم فيكفي في ثبوت الحق بها عدم العلم بفسقها، ومع الشك فيه فالأصل عدمه .
وقد يؤيد الأوّل : بأن الأصل في الأشخاص هو العدالة حتى يثبت الخلاف، وبأن الأصل في فعل المسلم هو الصحة ، فتحمل الشهادة على الصّحة ويحكم على طبقها.
وفي ذلك كلّه نظر، إذ لا يقتضي شيء من هذه الوجوه جواز حبسه ، ولا سيّما في حال استلزام ذلك بقائه في السجن مدة من الزمن، فأمّا أصالة الصحّة ، فهي تجري في فعل المسلم لا بالنسبة إلى شخصه، وأما كون الأصل في كلّ شخص مسلم هو العدالة ، فليس هذا أصلاً عقلائياً يبني العقلاء عليه أمورهم، وإجراء أصالة الإسلام بالنسبة إلى من شك في كونه مسلماً في بلد أكثر أهله مسلمون ، هو من باب الغلبة، وليست العدالة في هذا الحدّ بين المسلمين.
فالحقّ ـ وفاقاً للمشهور ـ عدم جواز حبسه قبل ثبوت الحق، بل هو كذلك حتى على القول بمانعيّة الفسق، لأنه ـ ولو سلّم تماميّة قاعدة المقتضي والمانع ـ لا يحصل القطع بالحق ما لم يقطع بعدم المانع، على أن مقتضى القول بتماميّة القاعدة في المقام هو الحكم رأساً لا الحبس ريثما يثبت الحق.
وبالجملة، فما لم تثبت عدالة البيّنة لا يجوز الحبس.

(1) شرائع الإسلام 4 : 75.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *