الكلام في فقه الحديث

الكلام في فقه الحديث
ويقع البحث في معنى الحديث، والمراد من «الإرتداد»، ومن هم «المرتدّون»؟
إنّ للإرتداد معنيين، عام وخاص، أمّا العام فهو المعنى اللّغوي، أي الإعراض عن الشيء والرجوع عنه، وهو يشمل جميع أنواع الإرتداد، سواء كان الإرتداد عن الإسلام أو الإرتداد عن الإيمان أو الإرتداد عن الأخلاق الحسنة والعادات الجميلة وأمثال ذلك.
وأمّا الإرتداد الخاص، فهو الإرتداد الشرعي، أي: الرجوع عن الإسلام واختيار الكفر، الموجب لجريان أحكام الكفّار في دار الدنيا على الشخص.
وحمل حديث الحوض ـ لكونه مقيّداً بقوله «على أعقابهم» ـ على الإرتداد الشرعي غير جائز، فهو محمول ـ لا محالة ـ على المعنى العام، الشامل للإرتداد الشّرعي وغيره، فهو بهذا المعنى يجتمع مع الإسلام الظاهري ولا منافاة بينهما.
ولمّا كان الواقع من أكثر الصّحابة هو الإرتداد الشرعي، والإرتداد عمّا كانوا عليه على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، أمكن حمل حديث الحوض على كلا المعنيين.
فمتى اُطلق عنوان الارتداد على أهل السقيفة وشاركهم غيرهم من المرتدّين ممّن لم يصل إلى حدّ الكفر، فالمراد الرجوع عن أصل الدين وواقعه، الذي يجتمع مع الإسلام الظاهري، ومتى اُطلق عليهم أو على من يماثلهم فقط، احتمل إرادة المعنى الخاص واحتمل إرادة المعنى العام، وإرادة الإرتداد الشرعي من لفظ «المرتدين» في «حديث الحوض» لا تستلزم كونه نصّاً في هذا المعنى، لأنّ جعل هذا اللّفظ نصّاً في كفر أصحاب هذا الحديث أمر، وتطبيقه عليهم أمر آخر، ولا ملازمة بين الأمرين.
وبما ذكرنا ظهر: عدم جواز حمل الإرتداد في حديث الحوض على خصوص الإرتداد الشرعي ـ فلا يدخل في المراد منه من لم يصل إلى هذا الحدّ ـ وجواز حمله على المعنى العام الشامل للمعنى الخاص، فيكون لفظ «الارتداد» في الحديث المذكور نظير لفظ «الدابة» مثلاً، فإنّه موضوع في الأصل لـ«ما يدبّ على الأرض» والمنقول في العرف إلى «ما له ظهر يركب من الحيوانات» فكان مستعملاً في كلا المعنيين، لكنْ لم يجز حمله في بعض الموارد إلاّ على المعنى العام وإن كان المعنى الخاص داخلاً فيه، كما في قولهم: «الدابّة ما يدبّ على الأرض» فإنّه لا يصحّ أن يراد منه خصوص «ما يركب من الحيوانات» بل المراد هو المعنى العام، وإنْ كان شاملاً للمعنى الخاص ويثبت له من الحكم ما ثبت للعام.
ولفظ «الإرتداد» في حديث الحوض كذلك، فإنّه وإنْ لم يجز حمله على المعنى الخاص، وتجب إرادة المعنى العام منه، لكنّ المعنى الخاص داخل في المعنى العام.
وإذا تبيّن معنى «الارتداد» المراد في حديث الحوض، تبيّن مَن «المرتدون» فيه…
فإنّ المراد منهم كلّ الذين رجعوا عن الإسلام وأنكروا الشهادتين أو إحداهما، وكلّ الذين نقضوا ما عاهدوا عليه الله ورسوله وإن كانوا يشهدون الشهادتين بألسنتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *