إزاحة وهم

إزاحة وهم
هذا، ولا يتوهمنَّ أحد عدم صحّة هذا الحديث، فقد أخرجه ابن حبّان في (صحيحه) وقد ذكر الحافظ السيوطي في أوائل كتابه (جمع الجوامع): «ورمزت للبخاري خ ولمسلم م ولابن حبّان حب وللحاكم في المستدرك ك وللضياء المقدسي في المختارة ض. وجميع ما في هذه الكتب الخمسة صحيح، فالعزو إليها معلَّم بالصحّة، سوى ما في المستدرك من المتعقّب فاُنبّه عليه»(1).
وأيضاً، فهو من أحاديث (مسند أحمد) الذي يعدّونه أصلاً من اُصول الإسلام، وقد أخرجه فيه بعدّة طرق كلّها صحيح على اُصولهم يقيناً.
وأيضاً، فقد أخرجه الترمذي باختصار في (صحيحه) وصرّح بأنّه أحسن شيء يروى في هذا الباب، وهذه عبارته:
«باب ترك الوضوء من مسّ الذكر:
حدّثنا هنّاد، نا ملازم بن عمرو، عن عبدالله بن بدر، عن قيس بن طلق ابن علي الحنفي عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: وهل هو إلاّ مضغة منه أو بضعة.
وفي الباب عن أبي أمامة.
قال أبو عيسى: وقد روي من غير واحد من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وبعض التابعين أنّهم لم يرو الوضوء من مسّ الذكر، وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك. وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب.
وقد روى هذا الحديث أيّوب بن عتبة ومحمّد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه. وقد تكلّم بعض أهل الحديث في محمّد بن جابر وأيّوب بن عتبة، وحديث ملازم بن عمرو عن عبدالله بن بدر أصح وأحسن»(2).
ولا يتوهمنَّ أحد كذلك: أنّ الحديث غير معمول به، لأنّ كلّ حديث صحيح فهو ـ باعتراف النووي في (شرح مسلم) وابن حجر العسقلاني في (شرح النخبة) واجب العمل بالإجماع(3).
على أنّ الظاهر من (الصواقع) و(التحفة) هو التشنيع على الإماميّة بمجرَّد روايتهم الخبر في جواز المسّ ونسبتهم ذلك إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام… فيندفع ذلك: بأنّ القوم أنفسهم يروون ذلك في اُمّهات كتبهم ويصحّحونه، سواء عملوا به أو لا.
على أنّ هذا الحديث معمول به ومفتى به عندهم يقيناً، كما لا يخفى على من راجع كتب الحنفيّة في الفقه والاُصول.. وهذا نصّ كلام زين الدين الحنفي المصري في كتاب (البحر الرائق):
«قوله: ومسّ ذكر بالرفع عطف على المنفي، أي لا ينقض الوضوء مسّ الذّكر، وكذا مسّ الدبر والفرج مطلقاً، خلافاً للشافعي، فإنّ المسّ لواحد من الثلاثة ناقض للوضوء إذا كان بباطن الأصابع.
واستدلّ النووي له في شرح المهذّب بما روت بسرة بنت صفوان أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضّأ. وهذا حديث حسن، رواه مالك في الموطّأ وأبو داود والترمذي وابن ماجة بأسانيد صحيحة.
ولنا: ما رواه الجماعة، أصحاب السنن ـ إلاّ ابن ماجة ـ عن ملازم بن عمرو عن عبدالله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه سُئل عن الرجل يمسّ ذكره في الصلاة، فقال: هل هو إلاّ بضعة منك.
وقد رواه ابن حبّان في صحيحه.
قال الترمذي: هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب وأصحّ.
ورواه الطحاوي أيضاً وقال: هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه.
فهذا حديث صحيح معارض لحديث بسرة بنت صفوان.
ويرجّح حديث طلق على حديث بسرة بأنّ حديث الرجال أقوى، لأنّهم أحفظ للعلم وأضبط، ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل، وقد أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنّه قال: حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة، وعن عمرو بن علي الفلاس أنّه قال: حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة بنت صفوان.
وقول النووي في شرح المهذّب: أنّ حديث طلق اتّفق الحفّاظ على ضعفه، لا يخفى ما فيه، إذ قد علمت ما قاله الترمذي وغيره أنّ حديث بسرة ضعّفه جماعة حتّى قال يحيى بن معين: ثلاثة أحاديث لم تصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها حديث مسّ الذكر.
وقول النووي أيضاً ـ ترجيحاً لحديث بسرة ـ بأنّ حديث طلق منسوخ، لأنّ قدومه على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في السنة الاُولى من الهجرة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبني مسجده، وراوي حديث بسرة أبوهريرة، وإنّما قدم أبو هريرة على النبي صلّى الله عليه وسلّم سنة سبع من الهجرة، فغير لازم، لأنّ ورود طلق إذ ذاك ثمّ رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك، وهم قد رووا عنه حديثاً ضعيفاً: من مسّ ذكره فليتوضّأ وقالوا: سمع من النبي صلّى الله عليه وسلّم الناسخ والمنسوخ، ولأنّ حديث طلق غير قابل للنسخ، لأنّه صدر على سبيل التعليل، فإنّه عليه الصلاة والسلام ذكر أنّ الذكر قطعة لحم فلا تأثير لمسّه في الانتفاض، وهذا المعنى لا يقبل النسخ، كذا في معراج الدراية.
وقول النووي أيضاً: إنّ حديث طلق محمول على المسّ فوق حائل لأنّه قال: سألت عن مسّ الذكر في الصلاة، والظاهر أنّ الإنسان لا يمسّ ذكره في الصلاة بلا حائل، مردود، بأنّ تعليله صلّى الله عليه وسلّم بقوله هل هو إلاّ بضعة منك يأبى الحمل، والبضعة بفتح الموحّدة القطعة من اللّحم»(4).
وفي (كشف الأسرار):
«وعن يحيى بن معين أنّه قال: ثلاثة من الأخبار لا تصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: خبر مسّ الذكر، ووقعت هذه المسألة في زمن عبدالملك بن مروان فشاور الصحابة، فأجمع من بقي منهم على أنّه لا وضوء فيه وقالوا: ندع كتاب ربّنا وسنّة نبيّنا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت؟ يعنون بسرة بنت صفوان.
ومعنى قولهم كتاب ربّنا: إنّ الله تعالى بيّن الأحداث وما كانت نجسة من دم حيض وغايط ومني، وشرّع الاستنجاء بالماء بقوله (فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا) والإستنجاء بالماء لا يتصوّر إلاّ بمسّ الفرجين، فلمّا ثبت بالنص أنّه من التطهير لم يجز أنْ يجعل حدثاً بمثل هذا الخبر.
وأمّا السنّة: فما روي عن قيس بن طلق عن أبيه أنّه قال: قلت: يا رسول الله! أفي مسّ الذكر وضوء؟ فقال: لا.
وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سئل عن مسّ الذكر، فقال: ما اُبالي مسسته أم مسست أنفي.
فنبّه على العلّة وهو أنّه عضو طاهر.
وعن أبي أيّوب الأنصاري رضي الله عنه: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: مسست ذكري وأنا في الصلاة، فقال: لا بأس به»(5).
وقال الشيخ علي القاري في (شرح الوقاية):
«ولنا: ما رواه الجماعة ـ إلاّ ابن ماجة ـ عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنّه سئل عن الرجل يمسّ ذكره في الصلاة، فقال: هل هو إلاّ بضعة منك. قال الترمذي: هذا الحديث أحسن شيء يروى في الباب، واُجيب: بأنّ المراد به المسّ بحائل، ورُدَّ: بأنّ تعليله عليه الصلاة والسلام يأبى ذلك، والبضعة بفتح الموحّدة القطعة من اللحم».
وقال عبدالعلي الأنصاري في (فواتح الرحموت) بشرح «خبر الواحد فيما يتكرّر ويعمّ البلوى كخبر ابن مسعود في مسّ الذكر لا يثبت الوجوب…» قال:
«خبر الواحد فيما يتكرّر وقوعه ويعمّ البلوى، كخبر ابن مسعود في مسّ الذكر أنّه ينقض الوضوء رواه مالك وأحمد، ورواه بسرة أيضاً بلفظ: إذا مسّ أحدهم ذكره فليتوضّأ، ورواه أبو هريرة أيضاً بلفظ: إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينه وبينها حجاب فليتوضّأ، رواه الشافعي والدارقطني، وممّن يرى من الصحابة الإنتقاض بالمسّ: عبدالله بن عمر وأبو أيّوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبوهريرة وأميرالمؤمنين عمر، على ما هو المشهور، فعلى هذا في كونه من الباب نظر.
فإنْ قلت: فما يصنع الحنفيّة في حكمهم بعدم الإنتقاض؟
قلت: إنّ الرواية عن أبي هريرة لم تصحّ، فإنّ في سنده يزيد بن عبدالملك، وهو مضعف. كذا في فتح القدير.
ولم يصحّ الرواية عن ابن مسعود كما قال الشيخ عبدالحق.
وأمّا حديث بسرة ـ مع كونه مضعفاً أيضاً عند بعض أهل الحديث ـ ففي سنده عن عروة عن بسرة، ولم يلاق عروة بسرة، فهو منقطع، فلا يعارض ما رواه أبو داود والنسائي وابن حبان والترمذي ـ وقال أحسن شيء يروى في هذا الباب ـ عن طلق عن النبي صلّى الله عليه وآله وأصحابه وسلّم: أنّه سئل عن الرجل يمسّ ذكره في الصلاة فقال: هل هو إلاّ قطعة منك.
وقد تأيّد قولنا بعدم الإنتقاض بما ثبت عن أميرالمؤمنين علي وعمّار وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقّاص، فإنّهم لا يرون النقض منه. كذا في فتح القدير»(6).
فإنْ لم يكف ما نقلناه عن هؤلاء الأعلام في الفقه والاُصول من الحنفيّة، ذكرنا كلام إمامهم محمّد بن الحسن الشيباني في كتابه (الموطّأ) بشرح الشيخ علي القاري، وهذا نصّه:
«باب الوضوء من مسّ الذكر، أي باب ما ورد في إثباته ونفيه:
أخبرنا مالك، حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص، عن مصعب بن سعد، زاد يحيى بن وقّاص ومصعب هذا سمع أباه وعليّاً وابن عمر، وروى عنه سماك بن حرب وغيره قال: كنت أمسك المصحف (أي آخذه) على سعد (أي لأجل قرائته غيباً أو نظراً، وهو ابن وقّاص) فاحتككت (أي ماتحت إزاري) فقال: لعلّك مسست (بكسر السين الاُولى وتفتح أي لمست) بكفّ يدك ذكرك (أي من غير حائل)؟ فقلت: نعم، فقال: قم فتوضّأ. قال: فقمت فتوضّأت ثمّ رجعت.
وفيه: أنّه يحتمل أن يراد به الوضوء اللغوي وهو غسل اليد، دفعاً لشبهة ملاقاة النجاسة.
أخبرنا مالك، أخبرني (أي وحدي) ابن شهاب (أي الزهري) عن سالم ابن عبدالله (هو القرشي العدوي المدني أحد فقهاء المدينة، من سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم، مات بالمدينة سنة ست ومائة) عن أبيه (أي عبدالله ابن عمر ابن الخطّاب، شهد الخندق وما بعدها من المشاهد، وكان من أهل العلم والورع والزهد. قال جابر بن عبدالله: ما منّا أحد إلاّ مالت به الدنيا ومال بها إلاّ عمر وابنه عبدالله. وقال نافع: ما مات ابن عمر حتّى أعتق ألف إنسان أو زاد) روى عنه خلق كثير أنّه كان يغتسل ثمّ يتوضّأ، فقال له (أي قال سالم ابنه): أما يجزيك الغسل (أي ما يكفيك) لاسيّما مع سبق الوضوء الذي هو السنّة من الوضوء (أي الكائن بعد الغسل) فإنّ الجزء يندرج في الكل؟ قال: بلى (أي يجزي) ولكنّي أحياناً أمسّ ذكري ونحوه، فإنّه إذا غسله حال الإستنجاء يجوز به الإكتفاء) فأتوضّأ (أي لذلك المسّ).
قال محمّد: لا وضوء (أي لازم) في مسّ الذكر (أي على أيّ وجه كان) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله (أي خلافاً للشافعي فإنّه يقول: ينتقض بالمسّ بباطن كفّه دون ظاهره من غير حائل سواء كان بشهوة أم بغيرها) وهو المشهور (عن أحمد) والراجح (من مذهب مالك إن مسّه بشهوة انتقض وإلاّ فلا، وأقوى أدلّتهم) ما رواه مالك (وأخذه الأربعة) والحاكم عن بسرة بنت صفوان مرفوعاً: من مسّ ذكره فيتوضّأ. وفي ذلك (أي في دفعه) آثار كثيرة (أي أخبار شهيرة) مرفوعة وموقوفة وبها نأخذ لقوّتها وكثرتها فإنّها بلغت ستّة عشر حديثاً:
منها: قال محمّد: أخبرنا أيّوب بن عتبة التميمي قاضي اليمامة (وهو عزيز الحجاز) عن قيس بن طلق (وهو طلق بن علي يكنى أباعلي الحنفي اليماني ويقال له طلق بن تمامة) روى عنه ابنه قيس أنّ أباه (وهو من الصحابة) حدّثه أنّ رجلاً سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن رجل مسّ ذكره أيتوضّأ؟ قال (أي له): هل هو (أي ذكرك) إلاّ بضعة (بفتح الموحّدة أي قطعة) من جسدك (أي فحكمه حكم سائر الأعضاء حيث لم ينتقض الوضوء شيء من الأجزاء).
قال محمّد: أخبرنا طلحة بن عمر والمكّي، أخبرنا عطاء بن رباح (بفتح الراء فموحّدة، من أجلّ الفقهاء تابعي مكّي. قال الأوزاعي: مات يوم مات وهو أرضى أهل الأرض عند النّاس. وقال أحمد بن حنبل: العلم خزائن يقسمه الله لمن أحبّ لو كان يخصّ بالعلم أحداً لكان بنسب النبي صلّى الله عليه وسأله وسلّم أولى كان عطاء حبشيّاً، إنتهى. وكان جعد الشعر أسود أفطس أشل أعور ثمّ عمي، مات سنة عشرة ومائة وله ثمان وثمانون سنة. سمع ابن عبّاس وأباهريرة وغيرهما من الصحابة وروى عنه جماعة) عن ابن عبّاس قال في مسّ الذكر إن كانت (خطاب عام) في الصلاة (والجملة حالية والمعنى) قال (في جواب هذا السؤال وأعاد قال لطول المقال) ما اُبالي مسسته (في نسخة أمسسته أي ذكري) أو مسست أنفي (حيث لا تفاوت بينهما لا في الصلاة ولا في غيرها).
قال محمّد: أخبرنا إبراهيم بن محمّد المدني (وفي نسخة: محمّد بن المدني وهو بفتحتين منسوب إلى المدينة السكينة) أخبرنا صالح مولى التوئمة (بفتح فسكون فهمزة) عن ابن عبّاس قال: قال: ليس في مسّ الذكر وضوء واجب أو نقض وضوء.
قال: أخبرنا إبراهيم بن محمّد المدني، أخبرنا الحارث بن أبي ذباب (بضمّ الذال المعجمة وبالموحّدتين) أنّه سمع سعيد بن المسيّب (بفتح الياء أشهر من كسرها، وهو من سادات التابعين، جمع بين الفقه والحديث والزهد والورع والعبادة) يقول: ليس في مسّ الذكر وضوء.
قال: أخبرنا أبوالعوّام (بتشديد الواو) البصري (بكسر الباء أفصح من فتحها في النسخة عكس العلم) قال: سأل رجل عطاء بن أبي رباح قال: يابامحمّد! (لا تكتب الهمزة وتقرأ، هذه كنية لعطاء بن أبي رباح) رجل مسّ فرجه (أي ذكره) أو دبره بعد ما توضّأ (وكذا إذا اغتسل)؟ قال رجل من القوم (أي قبل جواب عطاء): إنّ ابن عبّاس كان يقول: إن كنت تستنجسه (أي تعتقد نجاسة ذاته) فاقطعه فإنّه لا يجوز لك الصلاة مع وجوده. قال عطاء بن رباح: هذا والله قول ابن عبّاس (أي بلا شكّ ولا شبهة فهذا من باب المطابقة في الجواب إذا كان على وجه الصواب).
قال محمّد: أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حمّاد (أي ابن أبي سليمان، كوفيّ يعدّ من التابعين، سمع جماعة من الصحابة، روى عنه شعبة والثوري وغيرهما، وكان أعلم الناس برأي إبراهيم النخعي، مات سنة عشرين ومائة) عن إبراهيم النخعي (بفتح النون والخاء المعجمة وهو من أجلاّء التابعين) عن علي بن أبي طالب في مسّ الذكر قال: ما اُبالي مسسته أو طرف أنفي (أي حيث هما عضوان طاهران وفي حقّ المسّ مستويان).
قال محمّد: أخبرنا أبو حنيفة رحمه الله عن حمّاد عن إبراهيم أنّ ابن مسعود سُئل عن الوضوء (أي عن تجديده) من مسّ الذكر (أي ذكره)؟ فقال: إن كان (أي ذكرك) في زعمك نجساً (بفتح الجيم هو المشهور عند الفقهاء ويراد عين النجاسة بخلاف كسرها فإنّه المتنجّس عندهم وهما مصدران في أصل اللّغة) فاقطعه (أي لا تترك له وجوداً).
قال محمّد: أخبرنا مِحِلّ (بكسر الميم والحاء المهملة كسحل اسم جماعة من المحدّثين) الضبّي (بتشديد الموحّدة) عن إبراهيم النخعي في مسّ الذكر في الصلاة هل يبطلها بسبب نقض الوضوء منه؟ قال: إنّما هو بضعة منك (أي قطعة منك كسائر أعضائك).
قال محمّد: أخبرنا سلاّم (بتشديد اللاّم) بن سليم (بالتصغير) الحنفي (منسوب إلى أبي حنيفة رحمه الله بحذف الزوائد كالفرضي) عن منصور بن المعتمر (بكسر الميم الثانية) عن أبي قيس عن أرقم بن شرحبيل (بضمّ ففتح فسكون فكسر موحّدة فسكون تحتيّة) قال: قلت لعبدالله بن مسعود: إنّي أحكّ جسدي (أي أحياناً) وأنا في الصلاة فأمسّ (بفتح الميم أي فألمس) ذكري (أي بعذر بي) فهل ينقض وضوئي؟ فقال: إنّما هو بضعة منك (أي كما سبق في الحديث مرفوعاً).
قال محمّد: أخبرنا سلاّم بن سليم عن المنصور بن المعتمر عن السدوسي (بفتح فضمّ، نسبة إلى سدوس بن شيبان، وبضمّتين إلى سدوس بن أصبع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد بن نبهان الطائي، وليس في العرب سدوس بالضم غيره، ذكره السيوطي) عن البراء بن قيس قال: سألت حذيفة بن اليمان (بكسر النون من غير ياء في آخره، وهو صاحب سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، روى عنه عمر و علي رضي الله عنه وغيرهما من الصحابة والتابعين، مات بالمدائن وبها قبره، سنة خمس وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة) عن الرجل مسّ الذكر؟ فقال: إنّما هو (أي مسّه ذكره) كمسّه رأسه.
قال محمّد: أخبرنا مِسْعَرْ (بكسر الميم وفتح العين) بن كدام (بكسر الكاف) عن عمير بن سعد النخعي قال: كنت في مجلس (أي في أهل مجلس) فيه عمّار بن ياسر (وهو عنسي مولى بني مخزوم، وكان من المهاجرين الأوّلين وشهد المشاهد كلّها، قُتل بصفّين وكان مع عليّ سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة، روى عنه جماعة منهم علي رضي الله عنه) فذُكر (بصيغة المجهول أي فذكر بعض أهل ذلك المجلس) مسّ الذكر (أي هل ينقض الوضوء أم لا) فقال (أي للسائل): إنّما هو بضعة منك وإنّ لكفّك لموضعاً غيره. دلّ على أنّ الإحتياط في عدم مسّه.
قال محمّد: أخبرنا مِسعر بن كدام، عن إياد (بكسر الهمزة) ابن لقيط (بفتح فكسر) عن البراء بن قيس قال: قال حذيفة بن اليمان في مسّ الذكر مثل أنفك. فعنه روايتان في الحكم يتفقان.
قال محمّد: أخبرنا مِسعر بن كدام حدّثنا قابوس عن أبي ظبيان (بفتح الظاء المعجمة) عن عليّ بن أبي طالب قال: ما اُبالي إيّاه (أي الذكر) مسست أو أنفي أو اُذني.
قال محمّد: أخبرنا أبو كدينة (بضمّ الكاف وفتح الدال المهملة) يحيى ابن المهلّب (بتشديد اللام المفتوحة) عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي قبيس ابن عبدالرحمن بن ثروان (بفتح المثلّثة وسكون الراء) عن علقمة (وهو ابن أبي علقمة بلال مولى عائشة اُمّ المؤمنين، روى عن أنس بن مالك وعن اُمّه وعنه مالك بن أنس وغيره) عن قيس قال: جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود قال: إنّي مسست ذكري وأنا في الصلاة. قال عبدالله: أفلا قطعته إن كنت تزعم أنّه نجس العين فإنّ وجوده مانع لصحّة الصلاة. ثمّ قال (أي عبدالله): وهل ذكرك إلاّ كسائر جسدك (أي عضو من أعضائك فلا تتفاوت في مسّ أجزائك).
قال محمّد: أخبرنا يحيى بن المهلّب، عن إسماعيل بن خالد، عن قيس ابن أبي حازم قال: جاء رجل إلى سعد بن أبي وقّاص (أحد العشرة المبشّرة) قال: أيحلّ لي أن أمسّ ذكري وأنا في الصلاة؟ فقال: إن علمت أنّ منك (أي من جملة أعضائك) بضعة نجسة فاقطعها.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدّثني جرير بن عثمان، عن حبيب ابن عبيد، عن أبي الدرداء (أي أحد أكابر الصحابة وزهّادهم) أنّه سُئل عن مسّ الذكر فقال: إنّما هو بضعة منك»(7).
ولا يتوهمنَّ أحد الفرق بين «العبث بالذكر في الصّلاة» الوارد في أخبار القوم و«مسّ الذكر في الصلاة» الوارد في (الإستبصار) من كتبنا، فإنّ «العبث» هو اللعب والعمل بلا فائدة، كما في (المصباح المنير) وغيره من كتب اللغة… بل ليس مراد السائل من «المسّ» إلاّ «العبث» وممّا يشهد بذلك الخبر التالي في (تهذيب الأحكام) من كتب أصحابنا الإماميّة:
«محمّد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن عبدالله بن مغيرة قال: حدّثني أبوالقاسم معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة. قال: وما له فعل؟ قلت: عبث به حتّى مسّ بيده. قال: لا بأس»(8).

(1) جمع الجوامع ـ مقدّمة الكتاب.
(2) صحيح الترمذي 1: 131/85، كتاب الطهارة باب 62.
(3) شرح نخبة الفكر: 47، خبر الواحد في الإصطلاح.
(4) البحر الرائق في شرح كنز الدقائق 1: 43 ـ 44.
(5) كشف الأسرار في شرح اصول البزدوي 2: 569 ـ 570. باب تقسيم الراوي الذي جعل خبره حجةً.
(6) فواتح الرحموت ـ شرح مسلّم الثبوت ـ ط مع المستصفى 2: 128.
(7) شرح موطأ محمّد بن الحسن الشيباني للشيخ علي القاري ـ باب الوضوء من مسّ الذكر.
(8) تهذيب الأحكام للشيخ أبي جعفر الطوسي 2: 333/1373، كتاب الصلاة، باب كيفيّة الصلاة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *