توجيه البعض معنى الحديث

توجيه البعض معنى الحديث
وكيف كان، فلا دلالة في حديث البخاري على إباء رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الأكل من ذبيحة الأصنام، ولذا اعترض ابن حجر على ابن بطّال لمّا ادّعى ذلك، وردّ عليه بعدم الوقوف على ذلك في رواية من روايات القصّة… وهذا نصّ كلام ابن حجر بشرح الحديث في كتاب المناقب:
«قوله: فقدّمت. بضم القاف. قوله: إلى النبي، كذا الأكثر، وفي رواية الجرجاني: فقدّم إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم سفرة. قال عياض: الصّواب الأول. قلت: رواية الإسماعيلي توافق رواية الجرجاني، ولذا أخرجه الزبير بن بكار والفاكهي وغيرهما.
وقال ابن بطّال: كانت السفرة لقريش، قدّموها للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فأبى أن يأكل منها، فقدّمها النبي لزيد بن عمرو بن نفيل، فأبى أن يأكل منها، وقال مخاطباً لقريش الذين قدّموها أوّلاً: إنّا لا نأكل ما ذبح على أنصابكم. إنتهى. وما قاله يحتمل، ولكنْ لا أدري من أين له الجزم بذلك؟ فإنّي لم أقف عليه في رواية، وقد تبعه ابن المنير في ذلك»(1).

أقول:
لقد أجاد ابن حجر في الردّ على ابن بطّال، لكنّ قوله «وما قاله يحتمل» باطل جدّاً، فقد نقل ابن حجر ـ كما سيأتي ـ عن أكابر الأئمّة تصريحهم بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ والعياذ بالله ـ قد أكل من ذبيحة الأصنام، ودعا زيداً إلى الأكل منها ، فأبى زيد عن ذلك… فلا أساس لقول ابن بطّال من الصحّة أصلاً.
على أنّ عبارة ابن بطّال صريحة في أنّ النبي ـ بعد أنْ أبى عن الأكل من تلك الذبيحة، دعا زيداً إلى الأكل منها. وهذا من القبح والشناعة بمكان، إذ كيف يحتمل أنّ النبي ـ مع ما عليه من الصيانة والأمانة والأخلاق الكريمة والأوصاف الحميدة ـ يأبى عن أمر ثمّ يدعو غيره إليه بلا ضرورة، فيواجه بالإباء ويجاب بما يقتضي الطعن والملامة؟ كلاّ وحاشا، لا يجوّز ذلك ذو دين وعقل…

(1) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري 7: 112.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *