الزجّاج

قال السيوطي بعد الطبقات الأربع:
«ثمّ ألّف في التفسير خلائق، فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال بتراً، فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل، ثمّ صار كلّ من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده، ثمّ ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانّاً أنّ له أصلاً غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن يرجع إليهم في التفسير، حتّى رأيت من حكى في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالّين) نحو عشر أقوال، وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي وجميع الصحابة والتابعين وأتباعهم، حتّى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافاً بين المفسّرين».

ثمّ قال: بعد الطبقات الخمس:
«ثمّ صنّف بعد ذلك قوم برعوا في علوم، فكان كلٌّ منهم يقتصر في تفسيره على الفن الذي يغلب عليه.
فالنحوي تراه ليس له همٌّ إلاّ الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه، ونقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافيّاته، كالزجاج والواحدي في البسيط وأبي حيان في البحر والنهر….
وصاحب العلوم العقليّة خصوصاً الإمام فخر الدين قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها، وخرج من شيء إلى شيء حتّى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية، وقال أبو حيّان في البحر: جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كلّ شيء إلاّ التفسير.
والمبتدع ليس له قصد إلاّ تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد، بحيث أنّه متى لاح له شاردة من بعيد اقتنصها أو وجد موضعاً له فيه أدنى مجال، سارع إليه»(1).

أقول:
والآن، فلننظر في أحوال هذه الطبقة من المفسّرين:

الزجّاج

فأمّا الزجّاج، وتراجمه موجودة في وفيات الأعيان، ومرآة الجنان، وتاريخ بغداد، والوافي بالوفيات، وبغية الوعاة(2) وغيرها…
فقد ذكروا عنه قصّةً فيها الإعتراف بالخيانة والكذب طمعاً في حطام الدنيا، وذلك «أنّ القاسم بن عبيدالله، كان قد وعده أنّه إن صار وزيراً أن يعطي الزجاج عشرين ألف، فلمّا أصبح وزيراً قال للزجاج: «أجلس النّاس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار، واستجعل عليها ولا تمتنع من مسألتي في شيء إلى أن يحصل لك القدر» قال الزجاج: «ففعلت ذلك. وكنت أعرض عليه كلّ يوم رقاعاً فيوقّع لي فيها، وربّما قال لي: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول: كذا وكذا، فيقول لي: غبنت، هذا يساوي كذا وكذا، إرجع فاستزده، فاُراجع القوم واُماكسهم فيزيدونني، حتّى أبلغ الحدّ الذي رسمه، فحصلت عشرين ألف دينار فأكثر في مدّة فقال لي بعد شهور: حصل مال النذر؟ فقلت: لا، وجعل يسألني في كلّ شهر هل حصل؟ فأقول: لا، خوفاً من انقطاع الكسب، إلى أنْ سألني يوماً فاستحييت من الكذب المتّصل فقلت: قد حصل ببركة الوزير»(3).

(1) الإتقان في علوم القرآن 4: 242 ـ 243.
(2) وفيات الأعيان 1: 49/13، مرآة الجنان 2: 198 السنة 311، تاريخ بغداد 6: 89/3126، الوافي بالوفيات 5: 347/2426، بغية الوعاة 1: 411/825.
(3) بغية الوعاة 1: 411 ـ 412/825.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *