وأبان عند الإماميّة ضعيف أو كذّاب ؟

وأبان عند الإماميّة ضعيف أو كذّاب ؟
لكنّ أجلاّء هذه الطائفة، كابن داود وغيره من أكابر فنّ التنقيد، يصرّحون بضعفه، وجمع منهم قالوا: هومفتر كذّاب، وأنّه الذي افترى على سليم ووضع الكتاب عليه، فاعتبروا يا اُولي الأبصار.
أقول :
أمّا قول «الشيخين» بانحصار رواية كتاب سليم بأبان بن أبي عيّاش، فإنْ أراد من «الشيخين»: الكشّي والنجاشي، ـ كما هو مصطلح العلاّمة المجلسي في أوائل البحار ـ فهما غير قائلين بالمقالة المذكورة، كما لا يخفى على من طالع كتابيهما… وهذه عبارة الكشي:
«سليم بن قيس الهلالي: حدّثني محمّد بن الحسن البراثي قال: حدّثنا الحسن بن علي بن كيسان، عن إسحاق بن إبراهيم بن عمر اليماني، عن ابن اُذينة، عن أبان بن أبي عياش قال: هذا نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثمّ الهلالي، دفعه إليّ أبان بن أبي عياش وقرأه، وزعم أبان أنّه قرأه على عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما، قال: صدق سليم رحمة الله عليه، هذا حديث نعرفه.
محمّد بن الحسن قال: حدّثنا الحسن بن علي بن كيسان، عن إسحاق ابن إبراهيم، عن ابن اُذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي قال قلت لأميرالمؤمنين عليه السلام: إنّي سمعت من سلمان ومن مقداد ومن أبي ذر أشياء في تفسير القرآن ومن الرواية عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيّ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تخالفونهم، وذكر الحديث بطوله.
فقال أبان: فقدّر لي بعد موت علي بن الحسين عليهما السلام أنّي حججت ولقيت أباجعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام، فحدّثته بهذا الحديث كلّه لم أخط منه حرفاً، فاغرورقت عيناه ثمّ قال: صدق سليم، قد أتى أبي بعد قتل جدّي الحسين عليه السلام وأنا قاعد عنده، فحدّثه بهذا الحديث بعينه فقال له أبي: صدقت، قد حدّثني أبي وعمّي الحسن بهذا الحديث عن أميرالمؤمنين عليه السلام، فقالا: صدقت، قد حدّثك بذلك ونحن شهود، ثمّ حدّثاه أنّهما سمعا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ ذكر الحديث بتمامه»(1).
وعبارة النجاشي ليس فيها ذكرٌ من رواية أبان، فضلاً عن كون الرواية منحصرة فيه، بل صرّح برواية إبراهيم بن عمر اليماني، وهذا نصّ كلامه:
«سليم بن قيس الهلالي، يكنّى أبا صادق، له كتاب، أخبرني علي بن أحمد القمي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد قال: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن علي الصيرفي، عن حمّاد بن عيسى وعثمان بن عيسى، قال حمّاد بن عيسى: وحدّثنا إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس بالكتاب»(2).
وإنْ أراد من «الشيخين» الطوسي والنجاشي ـ كما هو مصطلح التقي المجلسي في رجال روضة المتقين ـ فقد عرفت كلام النجاشي آنفاً، وكلام الشيخ الطوسي في (الفهرست) سابقاً، وقد ذكر تعدّد الطريق إلى الكتاب. وأمّا (كتاب الرجال) للشيخ الطوسي، فلم ينقل أحد من العلماء الإنحصار المذكور عنه، كما لا يخفى على من تتبّع، وكيف يدّعى ذلك وقد نصَّ في (الفهرست) على رواية إبراهيم بن عمر اليماني الكتاب كذلك؟
فظهر الكذب والإفتراء على هؤلاء الأئمّة الأجلاّء.
وأمّا أنّ «الحسنين» ـ والمقصود منهما: العلاّمة الحلّي، وهو الحسن بن المطهّر، والشيخ حسن بن داود الحلّي ـ يقولان بالمقالة المذكورة، فهذا أيضاً كذب، لأنّ العلاّمة الحلّي ـ وإنْ أورد قصّة تسليم الكتاب إلى أبان، نقلاً عن السيّد علي بن أحمد العقيقي ـ فإنّ ابن داود لم يذكرها، لا بترجمة سليم ولا بترجمة أبان، من كتابه في الرجال.
وأمّا نسبة ذلك القول إلى القيرواني، والإحتجاج به، فموقوفة على وثاقة القيرواني، وكونه من علماء أهل الحق، ثمّ التصريح باسم الكتاب المنقول عنه… مع أنّه ليس من علماء الشيعة المشاهير، وليست له ترجمة في كتب الرجال، ولا نقل عنه في مسألتنا هذه في كتاب من كتبنا… نعم، له ذكر في كتب أهل السنّة، وقد نقل عنه الحافظ السهيلي الوجه في اسم ذي القرنين في كتابه (الروض الأنف)(3).
وأمّا السيّد العقيقي، فقد قال العلاّمة الحلّي في(الخلاصة):
«قال السيّد علي بن أحمد العقيقي: كان سليم بن قيس من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام، طلبه الحجاج ليقتله، فهرب وآوى إلى أبان بن أبي عياش، فلمّا حضرته الوفاة قال لأبان: إنّك لك علَيَّ حقّاً، وقد حضرني الموت، يا ابن أخي، إنّه كان من الأمر بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كيت وكيت، وأعطاه كتاباً، فلم يرو عن سليم بن قيس أحد من الناس سوى أبان»(4).
ومن العجيب : ما ذكره من قصد سليم إحراق الكتاب وهو يريد التعريض بسليم، لأنّ سليماً إنْ كان قد قصد ذلك ولم يفعله، فقد فعل ذلك أبوبكر بن أبي قحافة!! لرواية القوم كلّهم أنّه قد أحرق ما جمعه من الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(5).
هذا كلّه فيما يتعلّق بتسليم سليم الكتاب إلى أبان بن أبي عياش.
وأمّا مسألة وثاقة أبان… فإنّ أبان بن أبي عيّاش لا توثيق له في كتب أصحابنا أصلاً…

(1) رجال الكشي : 104 ـ 105/167 .
(2) رجال النجاشي : 8/4 .
(3) الروض الانف 3 : 178 .
(4) خلاصة الأقوال : 83 ، ترجمة سليم بن قيس .
(5) تذكرة الحفّاظ 1 : 5/ ترجمة أبي بكر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *