في الفرق بين البضع و المال

في الفرق بين البضع و المال
وأمّا الأمر الثاني:
قد فرّقوا بين البضع والمال، بأنّ البضع ليس له عوض والمال له عوض، وهذا التعليل موجود في النصّ أيضاً، فعن العلاء بن سيّابة، قال سألت أبا عبدالله عليه السّلام عن امرأة وكّلت رجلا بأن يزوّجها… ثم إنها أنكرت ذلك الوكيل وزعمت أنها عزلته.
فقال عليه السّلام: ما يقول من عندكم؟
قال قلت: يقولون ينظر في ذلك، فإنْ كانت عزلته قبل أن يزوّج، فالوكالة باطلة والتزويج باطل…
قال عليه السّلام: يعزلون الوكيل عن وكالتها ولم تعلمه بالعزل؟
قلت: نعم… وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصّة وفي غيره لا يبطلون الوكالة… ويقولون: المال منه عوض لصاحبه والفرج ليس له عوض إذا وقع منه ولد…»(1)
وقوله: «إذا وقع منه الولد» إمّا كناية عن التصرّف، أو أنّ الانتفاع الاستيلادي لا عوض له.
ثم إنّ من المعلوم أن العامّة يعملون بالقياس ويفتون بالاستحسانات والاعتبارات، وفي المعاملة التي أوقعها الوكيل المعزول الذي لم يبلغه العزل وجهان، من أنّها معاملة وقعت ممّن بيده الأمر، فتقتضي الصحّة، ومن أنّه قد أوقعها في حال العزل عن الوكالة، فهي ـ أي المعاملة ـ غير مستندة في واقع الأمر إلى المالك، فيقتضي الفساد، فعمدوا إلى الإستحسان، من حيث أن المال له عوض، فلو كانت المعاملة فاسدةً، فقد أخذ كلّ من المتعاملين عوض ما أعطاه، فكان المدرك لفتياهم ـ بعد دوران أمر المعاملة بين الصحّة والفساد ـ هو الاستحسان، فأفتوا بصحّتها ورتّبوا عليها الأثر لما ذكر. أمّا في النكاح، فحيث أنه لا عوض للبضع، يلزم من القول بصحّته أن يتسلّط عليه الطّرف الآخر بلا عوض، فكان مقتضى الاستحسان أنْ يقال بالفساد.
وحاصل ذلك: الأخذ بالاحتياط في المعاملة الماليّة، والأخذ بأصالة الفساد في النكاح.
فقال الإمام عليه السّلام: «إنّ النكاح أحرى وأحرى أنْ يحتاط فيه، وهو فرج ومنه يكون الولد»(2).
على أنّه لا وجه للتمسّك بأصالة الفساد في الشبهات الحكمية إلاّ بعد الفحص عن الحجّة، وقضاء أمير المؤمنين عليه السّلام حجّةٌ حتى عند العامّة، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله «أقضاكم علي»(3)، وقد قضى في مثل المسألة بصحة النكاح إذ خاطب الرجل بقوله: «خذ بيدها بارك الله لك فيها»(4).

(1) وسائل الشيعة 19 / 163 ـ 164، كتاب الوكالة، الباب 2 رقم: 2. وقد تقدم في الكتاب بكامله.
(2) وسائل الشيعة 20 / 259، كتاب النكاح، الباب 157 رقم: 3.
(3) حديث متفّق عليه بين الخاصّة والعامّة.
(4) وسائل الشيعة 19 / 164، كتاب الوكالة، الباب 3 رقم: 2.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *