الإشكال على الاستدلال

الإشكال على الاستدلال
وقد اُشكل عليه بأربعة وجوه:
الأوّل:
إنّ الدليل الدالّ على شرطيّة الرّضا يقتضي كونه سابقاً على البيع أو مقارناً له، لأنّ الشّرط ما يكون دخيلاً في الأثر، أي يتوقف حصوله على وجوده، فما لم يوجد لا يتحقّق الأثر. فالإجازة المتأخرة غير مؤثرة، ولا تصل النوبة إلى فرض الدوران بين الأقل والأكثر والتمسّك بالعام.
فإنْ قيل:
إنّ إجازة المالك بعد العقد تكشف عن أنّه لو اطّلع عليه حين العقد لأجاز، والرّضا التقديري كاف.
قلت:
أوّلاً: ليس الأمر كذلك في كلّ مورد، فقد يكون كارهاً لذلك بشدّة، ثم يتبدّل رأيه ويرضى.
وثانياً: لا دليل على كفاية الرّضا التقديري.
والثاني:
سلّمنا عدم دلالة الدليل على لزوم المقارنة، لكنْ نقول: إن لم يكن عندنا إلاّ مخصّص واحد، كان مخصّصاً بمضمونه للعام، وإنْ كان متعدّداً وبعبارات مختلفة، لزم جعل المضمون الجامع بين الكلّ مخصّصاً، فلو كان بعضها مشتملاً على حدّ المخصّص ودالاًّ على تعيّنه، فلم يكن بالنظر إليه دائراً بين الأقل والأكثر، وجب الأخذ بذلك اللّفظ ورفع اليد عن العام بحسبه.
وبناءً على هذه القاعدة، فإنّ من بين ما يكون مخصّصاً لآية الوفاء وآية الحلّ: قوله تعالى: (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض) الظّاهر في اعتبار صدور التجارة عن التراضي وانبعاثه عنه، وهذا لا يعقل إلاّ مع تقدّم الرّضا، وإذا خصّصت الآيتان بآية التجارة، فما عدا التجارة المتقدّم فيها الرّضا لا يجب الوفاء به وليس بحلال.
الثالث:
إنّ «البيع» في (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) ظاهر في بيع الشخص، أي: بيعكم، فلو حلّ بيع كلّ أحد لكلّ أحد اختلّ النظام الاجتماعي في العالم ووقع الهرج والمرج، وظاهر «العقد» في (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هو عقد الشخص نفسه، أي: بعقودكم، إذ لا معنى لأنْ يجب الوفاء على كلّ أحد بعقد غيره، وكذا «التجارة» في (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض) أي: تجارتكم. وظاهر هذه الإضافات هي الإضافة الصدوريّة، والإجازة اللاّحقة من المالك لمعاملة الفضولي لاتوجب تحقّق هذه الإضافة وصدق صدور المعاملة منه، فهو بيع لم يصدر من المالك، وبإجازة المالك لا يكون صادراً عن المالك، لأنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه.
فالبيع الصّادر من الفضولي الملحوق بالإجازة، لا يكون مشمولاً للآيات الثلاث، فلا يترتب عليه مداليلها.
الرّابع:
إذا ورد عام أزماني ثم جاء المخصّص بخروج فرد من الموضوع في بعض الأزمنة، جاز التمسّك به في غيره. فلو قال: أكرم العلماء في كلّ يوم، ثم قال: لا تكرم هذا العالم في يوم الجمعة، جاز التمسّك بالعام لإكرام العالم في يوم السبت.
أمّا لو قال: أكرم العلماء، ثم قال: لا تكرم هذا العالم في يوم الجمعة، ثم شك في إكرامه يوم السبت، لم يجز التمسّك بالعام وإنما يستصحب عدم جواز الإكرام.
هذه هي القاعدة المقررة في الأصول.
وما نحن فيه من قبيل الثاني، فآية الوفاء دلّت على وجوب الوفاء بكلّ عقد، وقد قام الإجماع على عدم وجوب الوفاء بعقد الفضولي إذا لم يجز المالك، فلو أجاز بعد العقد وشك في وجوب الوفاء به، استصحب عدم الوفاء، ولم يجز التمسّك بالعام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *