التحقيق في المقام

التحقيق في المقام
والمشهور تأثير الرّضا اللاّحق، وقد خالف أو توقّف جماعة، والتحقيق أن يقال:
كلّ متكلّم فظاهر حاله أنه قد استعمل اللّفظ في المعنى الموضوع له، فإنْ كان حاكياً، فظاهر حاله التصديق بالمضمون، وإنْ كان منشأً، فظاهر حاله إيجاد المضمون وقصده له حقيقة، فإذا أمر بشيء فظاهر حاله البعث حقيقةً لا أنه في مقام الامتحان، وعن هنا تحمل الألفاظ الصّادرة من الأشخاص على مقتضى ظاهر الحال إلاّ إذا دلّت الأمارات والقرائن على خلاف ذلك، ولذا لو تلفّظ ثم قال لم أقصد المعنى، كان مدّعياً وعليه الإثبات.
أمّا المكره، فظهور الحال منتف عنه، ولا يحمل كلامه على المعنى الظاهر فيه إلاّ بالقرينة الخارجيّة، فقد يتحقّق البيع حقيقةً من المكره، أو يبيع قاصداً للمعنى بسبب غفلته عن إمكان التفصّي.
فمورد البحث هو العقد الصّادر مع قصد المعنى في ظرف الإكراه، فهل إذا رضي بعد ذلك يترتب الأثر على هذا العقد أوْ لا؟
قال الشيخ بأنه يؤثّر، لأنه عقد حقيقي واجد لجميع شرائط الصحّة إلاّ طيب النفس، فإذا لحقه طيب النفس أثّر أثره.
فإنْ قلت:
الرّضا شرط في تأثير العقد، وكلّ شرط فلابدّ وأنْ يكون مقارناً للمشروط، لأنه من أجزاء العلّة التامة، وما لم تتم العلّة لم تؤثّر، فالرّضا المتأخر لا يؤثر.
وبعبارة اخرى: كلّ مورد قام فيه الدليل على تأثير الشرط المتأخّر يكون الشرط هو التعقّب المقارن لا نفس ما يقع متأخّراً، أمّا في طيب نفس المكره، فلا دليل على تأثيره إنْ جاء لاحقاً، ومقتضى القاعدة اعتبار كونه مقارناً.
قلت:
إن مورد البحث هو ما إذا قصد التمليك، والقصد أمر قائم بالنفس ولا يزال باقياً ـ بخلاف اللّفظ فإنه ينعدم ـ وهذا هو حقيقة العقد، وطيب النفس وإنْ لم يكن مقارناً له عند حدوثه فهو مقارنٌ له بقاءً، فتجتمع شرائط العقد الصحيح ويكون مؤثّراً. نعم، هذا يتمّ بناءً على النقل لا الكشف.
وأما تأييد الشيخ الصحّة بالرّضا اللاّحق بفحوى صحّة عقد الفضولي، بتقريب أنه إنْ دلّت الأدلّة على تأثير إجازة المالك بيع الفضولي، فهي تدلّ على تأثير الرّضا منه في بيع نفسه بالأولويّة.
فالإنصاف عدم تماميّته، لأن الفضولي يقصد التمليك حقيقةً وبالأصالة، إلاّ أنّ الشارع اعتبر رضا المالك في تأثير العقد، فإذا جاء الرّضا أثّر العقد أثره. أمّا في بيع المكره، فإن التمليك ليس هو المقصود بالأصالة، بل المقصود التخلّص من الضّرر المتوعّد به، فبينهما فرق واضح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *