تفصيل المطلب

تفصيل المطلب
وتفصيل المطلب هو:
إن كان الفعل الواحد من التكليفيّات، كأنْ يقول: على أحدهما شرب المسكر ـ سواء كان المسكر موجوداً خارجاً أو اُريد طبيعيّ المسكر ـ فإن كان الوقت مضيّقاً أو موسّعاً لكليهما، فإنْ كان أحدهما المعيّن عالماً بأنّ صاحبه سيقدم على الفعل، لم يكن مضطرّاً إلى الإرتكاب، فلا يجوز له ذلك، وإنْ كان عالماً بأنه لا يقدم فهو مضطرٌّ ومكره، والحكم مرتفع عنه. نعم، لا يجوز له المبادرة في سعة الوقت. وإنْ كان كلّ واحد منهما يحتمل إتيان الآخر بالفعل ويحتمل تركه له والوقت ضيّق أو أخّرا حتى ضاق الوقت، كانا مخيّرين وكلّ منهما ارتكب كان مباحاً له ذلك.
أمّا لو كان الوقت لأحدهما مضيّقاً وللآخر موسّعاً، فإنْ كان التضييق في أوّل الوقت، لم يجز لمن هو في سعة المبادرة إلى الفعل، فإنْ جاء به من ضاق وقته، انتفى الموضوع بالنسبة إليه، وإلاّ تعيّن الفعل عليه ـ أي الذي هو في سعة. وإنْ كان التضييق في آخر الوقت، فالذي في سعة لا يبادر، فإذا ضاق وقته وكان كلاهما في الضيق، فالتفصيل المذكور من العلم والاحتمال.
وإنْ كان الفعل من الوضعيّات:
فقد يكرهان كفايةً على بيع شيء موجود عندهما كالحنطة مثلاً، بنحو الوحدة الطبيعيّة النوعيّة، فبالنظر إلى ما ذكرنا من أنه:
أوّلاً: يعتبر في البطلان أنْ يكون البيع مستنداً إلى الإكراه، لا أنْ يكون بطيب النفس المقارن للإكراه.
وثانياً: المبادرة في سعة الوقت غير جائزة في التكليفيّات، وجائزة في الوضعيّات.
وثالثاً: معنى إكراه أحد الشّخصين كفايةً، ارتفاع المحذور عن كليهما بفعل أحدهما، ووقوعهما في المحذور لو ترك كلاهما الفعل المكره عليه، كما هو الحال في الواجبات الكفائيّة.
وبعد:
فإنه إنْ علم أحدهما بأنّ صاحبه سيبيع الحنطة بطيب نفس منه، فباع، كان بيعه صحيحاً نافذاً، وإنْ لم يعلم، فإنْ كان الوقت لكليهما على نسق واحد، كان البيع ـ من أيّهما كان ـ إكراهيّاً مستنداً إلى الخوف من المحذور، وإنْ كان الوقت لأحدهما ضيّقاً وللآخر موسّعاً، فإنْ باع من ضاق وقته في أوّله، كان بيعه إكراهيّاً باطلاً، أمّا الآخر، ففي مبادرته إلى البيع إشكال، لأنّه يرى أن صاحبه لا يخلو من أحد حالين، إمّا يبيع، فلا تجوز له المبادرة لانتفاء الموضوع، وإمّا لا يبيع، فيتعيّن البيع عليه ويقع باطلاً، فأيّ وجه للمبادرة؟
وإنْ كان ضيق الوقت في آخره، فمن كان في سعة فباع، كان بيعه باطلاً.
وقد يكرهان كفايةً على بيع متاع واحد شخصيّ خارجي، كأنْ يكون كلٌّ منهما وكيلاً مستقلاًّ عن المالك في بيع المتاع، أو يكونا وليّين على الصّغير المالك للمتاع، أو يكونا وصيّين على ذلك المال، أو يكون أحدهما أصيلاً والآخر وكيلاً في البيع.
فإنْ كانا وكيلين في بيع المتاع وقد اُكرها على البيع والموكّل راض بذلك، فالبيع الواقع من أيّ منهما صحيح نافذ، لأنّ من يعتبر رضاه ـ وهو المالك ـ ليس مكرهاً، ومن اكره لا يعتبر رضاه، وإنْ لم يكن المالك راضياً، كان البيع من أيّهما فضوليّاً يتوقّف على الإجازة، وليس بباطل.
وإنْ كان أحدهما أصيلاً والآخر وكيل، فأكرها على البيع، وقع البيع فاسداً من أيّهما كان، لأنّ الوكيل وجود تنزيلي للمالك، فكأنه مكره واحد على بيع واحد.
وعلى التقديرين، لا فرق بين سعة الوقت وضيقه…
وإنْ كانا وليّين، فأكرها على بيع مال الصّغير، أو وصيين فأكرها على بيع ثلث الميت، فحيث أن المناط هو الرّضا من الولي والوصيّ، فإنْ لم يكن البيع بمصلحة الصّغير أو الميت، كان البيع من كلٍّ من الوليين أو الوصيّين باطلاً، وإنْ كان على المصلحة، فإنّ بيع أحدهما مع علمه بأن صاحبه سيبيع، يقع صحيحاً نافذاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *