حقيقة الإكراه

حقيقة الإكراه
قال الشيخ:
ثم إن حقيقة الإكراه لغةً وعرفاً…
أقول:
ذكر للإكراه أربعة شروط:
أحدها: حمل الغير على ما يكرهه. أي: يكون إكراه لا كره، فيخرج ما إذا باع لأداء دينه مثلاً، فإنه مكروه له، ولكنْ لم يحمله أحد على ذلك. والمراد من «الغير» هنا غير الحاكم الشرعي، كما لو حكم على المفلّس ببيع أمواله ليدفع حق الغرماء، أو على أحد المترافعين فامتنع من عليه الحق فأكرهه على دفع الحق، أو على المرتهن الممتنع، أو على المحتكر حيث يكره على بيع الطعام، ففي جميع هذه الموارد إكراه لكنّ البيع صحيح. فالمراد من الحامل هو المكره الذي لا ولاية له.
وهل المراد من المكره من له وجود واقعي أوْ الأعم منه والوجود الاعتقادي؟ فلو قيل له كذباً: أنّ السّلطان يأمرك ببيع دارك وإلاّ فعل بك كذا، فباع معتقداً صدق الخبر، هل يعتبر بيعه باطلاً؟ فيه إشكال، من عدم وجود الرّضا، فلا يشمله آية التجارة ورواية لا يحلّ ما امرئ إلاّ بطيبة نفسه، ومن عدم شمول حديث الرفع له، لعدم كونه مكرهاً في الواقع.
الثاني: إقتران الحمل بالوعيد من المكره، فلو حمله على البيع قائلاً: إنْ لم تبع دارك خربت بالزلزلة، أو إنْ لم تبع متاعك تتضّرر، وأمثال ذلك، لم يصدق الإكراه الموجب لبطلان البيع.
فإنْ قلت: لم لا يكون باطلاً وهو غير راض بالبيع، فلا تشمله الآية والرواية؟
قلت: المناط أنْ يكون راضياً بالتجارة بما هي تجارة، ولا يبعد صدق ذلك إن كان الإكراه لا من الحامل.
الثالث: أنْ يكون الوعيد مظنون الترتّب على ترك الفعل، والمراد من ذلك هو الظنّ النوعي وإلاّ فلا شبهة في كفاية الخوف العقلائي.
الرابع: أنْ يكون الوعيد مضرّاً بحال الفاعل أو متعلقه نفساً أو عرضاً أو مالاً، فلو أوعده على ما لا يضرّه كذلك، أو أوعده على فوت نفع منه، لم يكن بيعه باطلاً.
وأضاف السيّد قيداً خامساً، فقال:
لابدّ في صدق الإكراه من كون الضّرر المتوعّد به ممّا لم يكن مستحقّاً عليه… فلو قال: إفعل كذا وإلاّ قتلتك قصاصاً، وكان مستحقّاً له عليه، أو وإلاّ طالبتك بالدين الذي لي عليك. ونحو ذلك، لا يصدق عليه الإكراه.(1)
ولكنّ الظاهر عدم الحاجة إليه، لأنّ اقتضاء القصاص ومطالبة الدّين موجود، فيكون ترك البيع سبباً لفعليّة المطالبة، وفي ذلك فوات للنفع لا الوقوع في الضّرر.

(1) حاشية المكاسب 1 / 54 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *