النظر فيها

النظر فيها
أقول:
ذكر الشيخ قبل مناقشة الوجوه الثلاثة أمرين:
أحدهما: إنّ مقتضى المعاوضة هو التبادل بين العوضين، وكان الميرزا الاستاذ يقرّب هذا المعنى، بأنّ حقيقة البيع هي التبادل بين طرفي الإضافة.
وقال المحقق الخراساني: البيع هو التمليك بالعوض.(1)
وقد حقّقنا في محلّه: إنّ البيع في اللّغة مبادلة مال بمال، وليس تبادل مال بمال، إذ ليس في هيئة المفاعلة صدور المبدء من الطرفين، بل إنها تفيد أنّ المبدء الصّادر متوجّه إلى طرف، كقولك: «خاطب القوم مخاطبةً»، فإن الخطاب متوجّه إلى القوم، ولا يصدر منهم خطابٌ، و«جادل زيد عمراً» مع سكوت عمرو، و«كاتبته فلم يجبني». فالمبادلة عبارة عن صدور المبدء من طرف ناظراً إلى آخر، سواء صدر من الآخر كذلك أوْلا. والهيئة التي يعتبر فيها الصدور من الطرفين هي التبادل.
وزمام الأمر في البيع بيد البائع، أي: إنه يجعل البدل لمتاعه ويعاوضه به، فيكون تمليكه بعوض، ومقتضى ذلك وقوع الثمن في موقع المثمن ودخوله في ملك مالكه عوضاً عنه، أمّا أنْ يدخل المثمن في ملك من خرج الثمن عن كيسه، فلا دليل عليه، ولذا يصحّ أن يقول: «اشتر بمالي متاعاً لنفسك» فإنه بيع حقيقةً، ولا نوافق على ما قاله الميرزا الاستاذ في مثله، فالبيع مبادلة مال بمال، أعم من أنْ يدخل كلّ منهما في ملك مالك الآخر أوْ لا يدخل.
فظهر ما في كلام الشيخ في الأمر الأوّل، والتفصيل موكول إلى موضعه.
والثاني: إنّ القصد إلى العوض المعيّن خارجاً يغني عن تعيين المالك، وإنْ كان العوض كليّاً، فإن وقوعه عوضاً يتوقّف على تعيين المالك، فكان تعيين المالك ذا دخل في تحقق العوضيّة لا في أصل المعاملة.
والحاصل: إن الكلّي ما لم يضف إلى الذمّة فلا ملكيّة له، وإنْ اُضيف إلى ذمّة مردّدة بين شخصين فصاعداً، فهذا غير معهود، ولا يعامل معه معاملة الأموال عند العقلاء. فلا يلزم تعيين المالكين في المعاملة، وإنما يلزم ذلك حيث يتحقّق به عنوان العوضيّة. وعليه، فلو قال: بعت عبداً بألف، كان باطلا، لأنه لم يضف «العبد» و«الألف» إلى شخص أو ذمّة، والعبد المطلق لا يباع والألف بدون الإضافة لا يشترى به شيء. أمّا لو قال: بعت عبداً عن موكّلي زيد بألف من موكّلي عمرو، فلا إشكال فيه، لتحقق التعيين.
أقول:
لكنّ الشّيخ لم يتعرّض لسائر الموارد التي بحث عنها صاحب المقابس، كما لو قال: بعت رجلاً، أو بعت عن أحد موكّليّ.
لقد كان المهمّ عند صاحب المقابس هو: أن التمليك عنوان إضافي لا يتحقق بلا متعلّق، فلا يعقل التمليك بلا مالك، والمردّد والمبهم بما هما كذلك يساوقان المعدوم ـ كما ذكرنا ـ فلا يعقل وقوعهما طرفاً للملكيّة وإنْ لم يكن الشيء كليّاً، والشيخ لم يتعرّض لهذه الموارد وإنما اكتفى بمورد بيع الكلّي. والعلم عند الله.

(1) الحاشية على المكاسب: 3.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *