مسألة / اشتراط قصد المتعاملين

مسألة
اشتراط قصد المتعاملين
قال الشيخ:
ومن جملة شرائط المتعاقدين: قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفّظان به… فلا يقع من دون قصد إلى اللّفظ كما في الغالط أو إلى المعنى… كما في الهازل، أو قصد معنى يغاير مدلول العقد…
أقول:
إنّ المعاملة بالصّيغة استعمال اللّفظ في المعنى إنشاءً، ولا ريب في اعتبار صدور اللّفظ عن إرادة وقصد، ولكنّ هذا لا ربط له بالمتعاقدين، بل الوجود الخارجي للعقد لا يتحققّ إلاّ بها.
وكذلك قصد المعنى باللّفظ، بأنْ يجعل اللّفظ وجوداً تنزيليّاً للمعنى، وهو قولهم: أن للشيء وجودات ومنها الوجود اللّفظي، ولكنّ هذا القصد أيضاً لا ربط له بالمتعاقدين، بل هو مقوّم استعمال اللّفظ في المعنى.
ومجرّد استعمال اللّفظ في المعنى أعمّ من الإنشاء والإخبار ـ والفرق بينهما هو حيثيّة الحكاية الموجودة في الإخبار دون الإنشاء، وإلاّ، فإنّ استعمال اللّفظ في المعنى إنشاء دائماً ـ غير كاف، بل لابدّ من القصد. ولكنّ هذا أيضاً لا ربط له بالمتعاقدين.
والذي يتعلّق بالمتعاقدين أنْ يقصدا مدلول العقد، خلافاً للمحقق الخراساني، فإنه جعل هذا أيضاً من مقوّمات العقد إذ قال: لا يخفى أنّ كلّ واحد من القصد إلى اللّفظ وإلى المعنى الاستعمالي وإلى هذا المعنى ـ أي قصد المدلول ـ من مقوّمات العقد، لا يكاد يتحقّق بدون واحد منها…(1).
فإن إرادة مدلول العقد من التمليك وغيره من شئون المتعاقدين، ولا علاقة لذلك بلفظ العقد.
وعلى الجملة، فإن العقد بالحمل الشائع لا يصدق إلاّ مع القصد، وجعل ذلك من شرائط المتعاقدين بلحاظ أن المتعاقد عنوان وصفي، وكلّ عنوان وصفي فهو متوقّف على وجود المبدء له، فماله دخل في المبدء يكون دخيلاً في العنوان الوصفي، ولذا كان القصد من شرائط المتعاقدين بما هما متعاقدان، ولا يصدق عليهما ذلك إلاّ إذا صدر منهما المبدء أي العقد.
إن قوام العقد بالقصد، وليس المراد قصدهما اللّفظ في مقابل ما يصدر من النائم والسّاهي والغافل، ولا اللّفظ الصّادر من دون قصد استعمال اللّفظ في المعنى، كما يصدر من الهازل، ولا اللفّظ المستعمل في المعنى بقصد السؤال والإستفهام، ولا الاستعمال الإخباري، بل المراد أن يقصد اللّفظ ويستعمله في معناه بنحو الإنشاء الجدّي قاصداً تحقق المعنى في نفس الأمر، من الملكيّة والزوجيّة ونحوهما… فالمعتبر قصد المدلول، فلو كان جاهلاً للمعنى بالكليّة لم يعقل منه تمشي القصد.
وعلى الجملة، فإنه يشترط أن يقصد تحقّق مدلول العقد في الخارج، لأن العقود تتبع القصود ـ كما تسالم عليه الكلّ ـ .
ولا يبعد الاستدلال لاشتراط القصد في البيع بهذا المعنى بقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض)(2)، لأنّه ما لم يقصد المدلول جدّاً لم يصدق عليه عنوان التجارة، فإنّ من لم يقصد المعنى لم يتّجر.
هذا مضافاً إلى أن اشتراط قصد المتعاملين من الاعتبارات العقلائيّة.
وهل الجاهل بصحّة البيع الذي يريد إيجاده يتمشّى منه القصد؟
إنْ قلنا ـ كما عليه المشهور ـ بأنّ الملكيّة أمر واقعي يتحقّق بآليّة الصّيغة، فمن كان جاهلاً بكون العقد الذي يجريه سبباً لتحقّق ذلك الأمر الواقعي كيف يعقل أنْ يقصد إيجاده به؟ ولو كان عالماً بأنّ عقده هذا لا يؤثّر في تحقّق الملكيّة الواقعيّة، لفقده بعض الشروط الشّرعيّة، فلا يتمشّى منه القصد بطريق أولى.
إذنْ، لابدّ من أنْ يعلم من قبل بمؤثريّة عقده في حصول الملكيّة، حتّى يتمشى منه القصد.

(1) حاشية المكاسب: 27.
(2) سورة البقرة: 282.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *