كيفيّة الملكيّة بناءً على الملك

كيفيّة الملكيّة بناءً على الملك
وعلى القول بالملك، فهل هي ملكيّة دائمة أو موقّتة؟
قال الميرزا الاستاذ: إنها ملكية موقّتة(1)، وقد سبقه إلى ذلك الشهيد الثاني(2).
وتقريب ما أفاده الاستاذ هو: إنّ ظاهر ترتب الحكم على العنوان هو الموضوعيّة له، فيدور الحكم مداره حدوثاً وبقاءً، لكون الملاك قائماً بالعنوان وعلّة تامّة للحكم، وإذا انتفت العلّة انتفى المعلول، إلاّ أنْ يقوم دليل على كون العنوان واسطة في الثبوت، كالدليل القائم على محرميّة حليلة الإبن، فإنه إذا طلّقها بقيت على المحرميّة للأب، فعنوان الحليلة واسطة في الثبوت وليس علّةً تامّة، وما دلّ على أنّ الماء المتغيّر نجس، فلو زال التغيّر بنفسه لم تزل النجاسة، فالتغيّر واسطة في الثبوت.
فهذه مقدّمة.
ومقدمة ثانية: إنّ الملكيّة من الاُمور القابلة للدوام والانقطاع نظير الزّوجيّة والوقف على الأولاد مثلاً، فإنه في الحقيقة ملك لهم، فيمكن أنْ يكون موقّتاً كاشتراط كونهم طلبة العلم، فإذا زال عنهم هذا العنوان خرج المال عن ملكهم.
وعلى ما تقدّم: إنّ ملكيّة بدل الحيلولة كانت تداركاً للعين المتعذّرة الوصول، فهو مرتّب على عنوان التعذّر، ومتى زال هذا العنوان بالوصول إلى العين زالت الملكيّة.
ولو قيل: نحتمل أنْ يكون العنوان واسطةً في الثبوت، فإذا تيسّر الوصول إلى العين وشككنا في بقاء الملكيّة على البدل، كان المرجع استصحاب الملكيّة، فالقول بالملكيّة الموقتة باطل.
قلت: قد تقرّر في محلّه اعتبار وحدة الموضوع في القضيّتين، ومع عدم إحراز وحدته لا يجري الاستصحاب. والمفروض هنا هو الشك في العنوان، فلا يجري استصحاب الملكيّة.

من يملك العين المضمونة؟
ثم قال الشيخ:
وعلى أيّ تقدير، فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة على ملك مالكها.
أقول:
وذهب المحقق التستري إلى أنها تدخل في ملك الضّامن، وحتى أنها لو كانت تالفةً حقيقةً، فإنها إنما تلفت بعد دخولها في ملك الضامن آناًمّا، بل حكى عن بعض الأساطين جريان الرّبا أيضاً لو كانت العين ذهباً وقد دفع البدل من الذهب، ومع اتّحاد الجنسين يعتبر الاتحاد في الوزن، ووافقه عليه.
وتقريبه: إنّ مقتضى أدلّة الضّمان الدالّة على وجوب تدارك العين هو التدارك المطلق، أي: على الضامن تدارك العين بجميع حيثيّاتها، ومنها حيثيّة الملكيّة، وإذا اُعطي المالك البدل فقد تداركت الملكيّة، ولازم ذلك انقطاع علقة الملكيّة عن العين وخروجها عن ملكه، فتدخل في ملك الضّامن، إذْ لا يحتمل أحدٌ أنْ تصير من المباحات.
وربما يؤيّد بما عن سدير عن أبي جعفر عليهما السلام: في الرجل يأتي البهيمة. قال عليه السلام: يجلد دون الحدّ ويغرم قيمة البهيمة لصاحبها، لأنه أفسدها عليه، وتذبح وتحرق إن كانت مما يؤكل لحمه، وإنْ كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها وجلد دون الحدّ، وأخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد أخرى حيث لاتعرف فيبيعها فيها…».(3)
فإن ظاهره أنه بعد أن غرم القيمة يصير مالكاً للدابّة، ولذا يبيعها ويكون الثمن له.
والحاصل: إن غرامة العين مقتضية لأنْ تدخل العين في ملك الغارم.
وذهب بعض مشايخنا إلى العدم(4).
وتقريبه هو: إنّ الغرامة تارةً: تدارك للعين التالفة، واخرى: لأوصافها وثالثة: لماليّتها، ورابعةً: لتعذّر الوصول إليها… وللغرامة أنحاء اخرى.
والغرامة بما هي لا تقتضي البدليّة، نعم، قد تكون البدليّة لازم التغريم، ولو تنزّلنا وسلّمنا أن الغرامة بذاتها تقتضي البدليّة، لكنّ البدليّة لا تستلزم الملكيّة حتّى في مورد التلف، لأنّ الغرامة بدل عن الماليّة لا الملكيّة، لأنّ ملكيّة الضامن للتالف بعد التلف لا تصح، وأمّا قبل التلف آناًمّا، فتحتاج إلى سبب، إذ لا معنى للملكيّة بلا سبب، وكون الغرامة هي السبب مستحيل، لأنّها مسبّبة عن التلف، فهي متأخرة عنه، فلو كانت الغرامة المتأخرة سبباً للملكيّة لزم تقدّم المعلول على علّته.
وببيان آخر: إذا كان تعذّر الماليّة للغير سبباً للغرامة، وكانت الغرامة سبباً لخروج العين عن ملك الغير، يلزم من كون الشيء ملكاً للغير عدم كونه ملكاً له، واستلزام الشيء لعدم نفسه محال.
فالضّامن عليه دفع الغرامة، ولو كانت بدلاً فليست إلاّ بدلاً عن ماليّة العين لا عنها بجميع الحيثيّات، فلا تكون بدلاً عن الملكيّة، فالعين لا تكون ملكاً للضّامن.
وأمّا الرّواية، فإنّ الدليل على ملكيّة قيمة البهيمة ليس «يغرّم قيمتها»، بل إطلاق كلمة «يبيعها».
وأمّا نُصوص الضمان، فقد اشتملت على كلمة «يضمن»، فعلى الضّامن دفع البدل، أمّا أنْ تكون العين المسروقة ـ مثلاً ـ ملكاً للضامن في مقابل دفع البدل، فلا دلالة فيها عليه.
وعلى الجملة، فملكيّة الضامن للعين باطلة بالبرهان، ولا أقلّ من عدم الدليل عليها.

(1) منية الطالب 1 / 158.
(2) مسالك الافهام 12/186.
(3) وسائل الشيعة 28 / 358، كتاب الحدود أبواب نكاح البهائم، الباب 1 رقم: 4.
(4) منية الطالب 1 / 159.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *