المراد من التعذّر

المراد من التعذّر
قال الشيخ:
ثم الظاهر عدم اعتبار التعذّر المسقط للتكليف… لكن ظاهر كلمات بعضهم التعبير بالتعذّر، وهو الأوفق… فتأمّل.
أقول:
كان الكلام السّابق في إمكان الوصول إلى العين وعدم إمكانه واليأس منه أو رجاء الوصول إليها، والكلام هنا في «التعذّر» وأن المراد منه التعذّر العرفي أو العقلي المسقط للتكليف؟ فالفرق بين البحثين أنه ربما يكون
ومنها: إن أخذ بدل الحيلولة جمع بين الحقّين، قال الشيخ: يظهر من إطلاقهم أن الّلوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب، انتقل إلى قيمته إلى أن يبلغ الساحل. ويؤيّده: أن فيه جمعاً بين الحقّين بعد فرض رجوع القيمة إلى ملك الضامن عند التمكّن من العين، فإن تسلّط الناس على مالهم الذي فرض كونه في عهدته، يقتضى جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذّر نفسه. ينظر ما تقدَّم في تسلّطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذّر في المثلي. نعم، لو كان زمان التعذّر قصيراً جدّاً بحيث لايحصل صدق عنوان الغرامة والتدارك على أداء القيمة، أشكل الحكم.
وفيه: إنّه ليس للمالك إلاّ المال المتعذّر الوصول إليه، فدعوى أن له حقّاً آخر في ذمّة الضّامن لادليل عليها، لأن الجمع بين الحقّين فرع ثبوت حقّ زائد على المال، وإثباته بعنوان الجمع بين الحقّين إثباتٌ للمدّعى بالمدّعى، وهو محال.

الوصول إلى العين معلوماً أو مرجوّاً لكنْ يتعذّر التحصيل، أو يكون معلوم الوصول لكنْ وصولاً قهريّاً.
وبما ذكرنا يندفع اعتراض السيّد(1) بأنّ هذا الكلام تكرار لما سبق.
هذا، وقد اختار الشيخ أوّلاً اعتبار التعذّر العرفي، بل لو كان ممكناً بحيث يجب عليه السعي في مقدّماته، لم يسقط وجوب دفع بدل الحيلولة في زمان السعي. ثم نقل عن بعض الفقهاء التعبير بالتعذّر، قال: وهو الأوفق بأصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين. ثم أمر بالتأمّل.
ولعلّ وجه التأمّل هو: تقدّم القواعد المثبتة لبدل الحيلولة على أصالة عدم تسلّط المالك على الأزيد من إلزامه بردّ العين.
وأمّا التحقيق في المقام فهو النظر في القاعدة المستدلّ بها على وجوب بدل الحيلولة، وتوضيح ذلك هو إنّه:
إنْ كان الدليل على وجوب بدل الحيلولة قاعدة لا ضرر، بمعنى أنّ صبر المالك إلى زمن حصول العين ضرر عليه ولابدّ من تداركه، فلا يعتبر التعذّر بل يثبت بدل الحيلولة مع إمكان التحصيل، لأن المناظ ضرريّة صبر المالك.
وإن كان قاعدة اليد ـ بأنّ مدلول «على اليد» كون المال على عهدة الضّامن، وأنه لا تسقط العهدة بتعذّر الوصول إلى العين ـ فإنّ العهدة ثابتة إلى حين الأداء، ومع عدم إمكان الأداء يكون التعذّر الخارجي بمثابة تلف العين، وكأنّ المناط انقطاع يد المالك عن ملكه، ولا فرق فيه بين الانقطاع إلى الأبد أو في زمان، والظاهر على هذا اعتبار التعذّر العقلي.
وإنْ كان قاعدة السّلطنة، فإنْ كان بمعنى أن مطالبة البدل من شئون السّلطنة، فيجب البدل، سواء تعذّر الوصول أوْ لا، وإنْ كان بمعنى وجوب بدل الحيلولة في المورد الذي يتعذّر الوصول والتحصيل، فلا يجب إلاّ في هذه الحال.
وأمّا النصوص، فالقدر المتيقّن كون التعذّر بالمعنى العقلي.

(1) حاشية المكاسب 1 / 516 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *