محلّ الاستشهاد على قيمة يوم القبض / الفقرة الاولى: قوله

محلّ الاستشهاد على قيمة يوم القبض
قال الشيخ قدّس سرّه:
ومحلّ الاستشهاد فيه فقرتان…
الفقرة الاولى: قوله:
أرأيت لو عطب البغل أو أنفق، أليس كان يلزمني؟
قال عليه السّلام: نعم، قيمة بغل يوم خالفته.
وفي كيفيّة معنى جواب الإمام عليه السّلام احتمالات، قال الشيخ:
فإنّ الظاهر أن «اليوم» قيد للقيمة، إمّا بإضافة «القيمة» المضافة إلى «البغل» إليه ثانياً، يعني قيمة يوم المخالفة للبغل…
وأشكل المحقّق الخراساني بما محصّله:
يلزم أن يكون حين التلفّظ طرفاً لهذا على حدة ولذاك كذلك، وهذا يستلزم أنْ ينظر إليه في ذلك الحين بالنظرين المتباينين.(1)
أي: إنّ الإنسان عندما يتلفّظ بلفظ يقصد المعنى الموضوع له اللّفظ، والمعنى المقصود هنا عبارة عن حيثيّة الإضافة بين «القيمة» و«البغل»، فكان لفظ القيمة طرفاً بالاستقلال للإضافة إلى البغل، فلو قصد مرّةً اخرى إضافة لفظ القيمة إلى «اليوم» بالاستقلال كذلك، لزم أنْ ينظر إلى اللّفظ الواحد بنظرتين استقلاليّتين متباينتين. والجمع بين المعنيين المتباينين في الاستعمال الواحد غير معقول.
وعلى الجملة، فإنّه لا يعقل في الإستعمال الواحد أن يكون المضاف واحداً والمضاف إليه متعدّداً، كلٌّ بالإستقلال.
وكما أفاد شيخنا الاستاذ قدّس سرّه:(2) إنّ كلّ مستعمل للّفظ في معناه، يلحظ اللّفظ والمعنى ثم يستعمله فيه، فكلّ استعمال مسبوق باللّحاظ، واللّحاظان الاستقلاليّان للّفظ الواحد غير معقول.
أقول:
إنّ عبارة الشيخ وإنْ كانت موهمةً لما ذكر، ولكنْ ليس مراده ذلك. وأيضاً، ليس مراده أنْ تضاف «القيمة» إلى «البغل» و«البغل» إلى «يوم» على أنْ يكون للبغل قيمٌ مختلفة بحسب الأيام، فعليه دفع قيمة يوم المخالفة أي الغصب. بل مراده أنْ يلحظ القيمة والبغل، ثم يجمع بينهما في اللّحاظ بنحو التركيب ويضاف المجموع إلى «اليوم» بعد لحاظه مستقلاّ. فالقيمة مضافة إلى البغل، ومجموعهما مضاف إلى اليوم. ويشهد بأنّ هذا مراده كلامه بعد ذلك إذ قال:
فيكون إسقاط حرف التعريف(3) من البغل للإضافة…
مضافاً إلى أن لازم إضافة «القيمة» إلى «البغل» و«اليوم» كلٍّ بالاستقلال، أنْ تُقرء الجملة: قيمةُ بغلِ يومِ خالفته، وهو مستبشع جدّاً.
فالإشكال مندفع.
وعلى الجملة، إن المحتمل في الجملة أربعة أنحاء:
الأوّل: أن تضاف القيمة مرّتين، مرّة إلى البغل، واخرى إلى اليوم.
والثاني: أنْ تضاف «القيمة» ـ بوصف كونها مضافةً إلى «البغل» ـ إلى «اليوم».
والثالث: أن تضاف إلى البغل، ويضاف مجموع المضاف والمضاف إليه إلى الملحوظ معاً بنحو التركيب إلى «اليوم».
والرابع: أنْ يكون من تتابع الإضافات، فالقيمة مضافة إلى البغل، والبغل مضاف إلى اليوم.
وكلّها باطل.
أمّا الأوّل، فقد عرفت الوجه في بطلانه.
وأمّا الثاني، فوجه بطلانه هو: لزوم اجتماع اللّحاظ الآلي والاستقلالي في الشيء الواحد، وهو المضاف، لأنّ «القيمة» المضافة إلى «البغل» متضمّنة للإضافة الملحوظة باللّحاظ الآلي، لكنّ إضافتها إلى «اليوم» يستلزم لحاظها باللّحاظ الاستقلالي، فيلزم اجتماع اللّحاظين في لفظ «القيمة» وهو محال.
وأمّا الثالث ـ وهو الذي حملنا عليه كلام الشّيخ، وكان قوله: فيكون… قرينةً عليه ـ فيتوجّه عليه:
إنّ مجموعهما متضمّن للمعنى الحرفي وهو الإضافة، ولا يعقل أن يكون المعنى الآلي مضافاً أو جزء مضاف، للزوم الاجتماع كما تقدّم.
فهذا ما يرد على كلام الشيخ بعد توجيهه ودفع إشكال الأكابر عنه.
وأمّا الرابع ـ ويحتمل أن يكون مراداً للشيخ كذلك، بأنْ يريد من قوله «ثانياً» أي: مع الواسطة ـ فيستلزم تحديد الأعيان الخارجيّة المستقرّة بالأزمنة، وهو باطل.
وتلخّص: عدم تماميّة كلام الشيخ مطلقاً.
والتحقيق هو:
قرائة «يوم» بالفتح على الظّرفيّة لنفس القيمة، ولمّا كان معنى «القيمة» أمراً حدثيّاً فهو صالح لأنْ يكون عاملاً، ولفظ القيمة مضاف إلى «البغل»، لأن قيمة الأشياء تختلف باختلاف ما تضاف إليها القيمة. ويؤيّده نسخة الكافي: «قيمة البغل يومَ خالفته»(4).
ويجوز الرّابع، بأنْ نقرأ: قيمة بغلِ يوم خالفته، لإمكان الجواب عن الإشكال بأنْ الأعيان الثابتة لا تقدّر بالأزمنة، بأنّه ليس على إطلاقه، فقد تتفاوت قيمة العين لا بحسب ذواتها بل بحسب أوصافها في الأزمنة المختلفة، فيصحّ أنْ يقال: قيمة بغل يومِ كذا بكذا، بلحاظ سمنها، وقيمتها يوم كذا بكذا بلحاظ هزالها، وهذا محتملٌ في الصحيحة، لأنّ من الجائز قريباً أنْ تختلف أوصاف البغل بعد خمسة عشر يوماً من اكترائه عن أوصافه التي كان عليها في ذلك اليوم، وحينئذ تختلف قيمته، فيكون ضامناً لقيمة يوم المخالفة وهو يوم الاكتراء.
وبهذا التقريب يمكن تصحيح كلام الشيخ قدّس سرّه.

وأمّا قوله:
وإمّا بجعل «اليوم» قيداً للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل.
أي: بأنْ تقرء الكلمة: قيمة بغل يومَ خالفته.
فغير معقول، لأن الاختصاص إنما حصل من الإضافة، وهو معنىً حرفي، والمعنى الحرفي جزئي، ولا يعقل تقييده. هذا أولاً.
وثانياً: إنّه يعتبر في العامل في الظرف أن يكون معنىً حدثيّاً، والمعنى الحرفي لا يقبل لأنْ يكون عاملاً في الظرف. والسرّ في ذلك هو أنّ الظرف متضمّن للحكم بثبوت المظروف فيه، والمعنى الحرفي لا يعقل أن يحكم به أو يحكم عليه.

وأمّا ما احتمله جماعة:
من تعلّق الظرف بقوله: «نعم» القائم مقام قوله عليه السّلام «يلزمك» يعني: يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل.
أي: إنّ «يلزمك» بمعنى أنت ضامنٌ، لأن العين المستأجرة أمانة شرعيّة بيد المستأجر، فإذا خالف مضمون العقد تحقّق الضمان في آن المخالفة، وهوهنا وقت وصوله إلى قرب قنطرة الكوفة، وإذ كان ضامناً، فقيمة أيّ يوم هو ضامن؟ قال عليه السّلام: يوم خالفته. وهذا نصّ عبارة صاحب الجواهر رحمه الله:
احتمال تعلّق الظرف بالفعل المدلول عليه بقوله عليه السّلام: نعم، فيكون المراد: يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل لو عطب، بمعنى أنها تتعلّق بك ذلك اليوم، وحينئذ فحدّ القيمة غير مبيّن فيه، فلا ينافي ما دلّ على قيمة يوم التلف الذي عرفت أنه الأصحّ(5).
وحاصل ذلك: أنّ هذا الاحتمال في العبارة إن كان ـ ولو في أقلّ تقدير ـ عقلائياً، تسقط العبارة عن الظهور في ضمان يوم الغصب، فلا تصلح لأن تكون قرينةً لرفع اليد عن مقتضى الإطلاقات.

قال الشيخ:
فبعيد جدّاً، بل غير ممكن، لأنّ السائل إنّما سأل عمّا يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة…
وهذا عجيبٌ جدّاً وبعيد عن مقامه الجليل…
لقد سأل السّائل: أرأيت لو عطب البغل أو أنفق، أليس كان يلزمني؟ فهو كان يعلم بأصل الضّمان، أمّا أيّ مقدار، وقيمة أيّ يوم؟ فليس في سؤاله دلالة عليه أصلاً…
وفقه الحديث: إنهما ترافعا إلى أبي حنيفة، فأفتى بأنه يضمن البغل ولا يلزمه الكراء ـ وهذا مبنيّ على قاعدة: «الخراج بالضمان» ـ لكنّ الإمام عليه السّلام أمره بدفع الكراء في مقابل كلّ سيره، إذ قال: «أرى له عليك مثل كرى البغل ذاهباً…» فقال الرّجل: «قد علفته بدراهم فلي عليه علفه؟» كأنه يرى جعل العَلَف في مقابل ما عليه من الكراء، فقال الإمام عليه السّلام: «لا، لأنك غاصب».
لقد حاول أبو ولاّد التخلّص من دفع الكراء بكونه ضامناً للبغل لو عطب أو أنفق، أخذاً بما أفتى به أبو حنيفة، فهو في مقام الاعتراض على الإمام عليه السّلام، لا السؤال عمّا يلزمه كما استظهر الشيخ؟
فأجاب الإمام عليه السّلام، بتقرير أصل الضّمان وأنه يستقرّ عليه يوم المخالفة، أمّا القيمة فيمكن أن تكون قيمة يوم التلف.
والإنصاف: أنّ هذا الاحتمال وجيه، خلافاً للشيخ القائل ببعده بل عدم إمكانه.
فالصحيحة إلى هنا غير ظاهرة في ضمان يوم الغصب.

(1) الحاشية على المكاسب: 23.
(2) حاشية كتاب المكاسب 1 / 404.
(3) هذا بناءً على نسخة التهذيب الفاقدة لحرف التعريف.
(4) الكافي 5/291.
(5) جواهر الكلام 37 / 101 ـ 102 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *