عموم «الورى»

عموم «الورى»
والورى عام ومطلق.
وعليه، فالأئمّة عليهم السّلام كهف وملجأ للجميع وليس لفئة دون أخرى، خذها من شيعتهم الذين هم أفضل الناس، حتى تنتهي بالمشركين والملحدين و… كلّ ما خلق الله وبرى.
ولا شك في ذلك على الإطلاق، لأنهم واسطة الفيوضات الإلهية لجميع المخلوقات كما أكدّنا سابقاً، فيلزم أن يكونوا ملجأها وكهفها.
إلاّ أن من المخلوقات من لجأ إلى كهفهم على أرض الواقع وهم شيعتهم فقط، مثلما لجأ أصحاب الكهف إليه، كما حكى ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى:
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَدًا).(1)
وهل تجد في الاُمة الإسلاميّة مصداقاً للفتوّة غير شيعة آل محمّد؟
وهل يوجد في غير الشيعة في الاُمة من يحاكي لسان حالهم:
(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطان بَيِّن فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِبًا).(2)
فالشيعة هم الذين اعتزلوا جمهور الأُمّة ولجأوا إلى الأئمّة بقولهم:
(وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ).
حتى أصبحوا في موقع:
(يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا)(3).
بل إنّ أمر الأئمّة عليهم السّلام أجلّ وأسمى من ذلك، فهم ملجأ وكهف الأنبياء الذين لجأوا إليهم في أزمنة نبّواتهم حينما داهمتهم الخطوب والفِتن، وهذا ما نصّت عليه مصادر الشيعة والسنّة.
ألا تنظر إلى أبينا آدم في المحنة التي طالته وحوّاء، التي سبّبت هبوطه إلى الأرض، وكان ينشد العفو والمغفرة من الباري تعالى، حتى أدركته العناية والرحمة الربانية، فألهمته التوسّل إلى الله بمحمّد وآل محمّد وهو قوله تعالى:
(فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمات فَتابَ عَلَيْهِ)(4).
فقد روى العامّة والخاصّة: أنه رأى على ساق العرش أسماء النّبي والأئمّة عليهم السّلام، فلقّنه جبرئيل: قل: يا حميد بحق محمّد، يا عالي بحق علي، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان(5).
وماذا تقول في ما جرى على نوح وصنعه السّفينة بأمر الله تعالى ونجاته مع أصحابه ببركة محمّد وآل محمّد عليهم السّلام. فقد روى المحدّثون عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه تلا قوله تعالى:
(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواح وَدُسُر)(6).
وقال:
«الألواح خشب السفينة، ونحن الدُسُر، لولانا ما سارت السفينة بأهلها»(7).
وهكذا بقيّة أنبياء الله سبحانه، كانت تشملهم بركة أهل البيت عليهم السّلام وتنجيهم مما وقعوا فيه من الفتن والابتلاءات.
ومن أخبار الباب ما رواه الشيخ الصّدوق عن أبي عبدالله الصّادق عليه السّلام أنه قال:
«أتى يهودي النبي صلّى الله عليه وآله، فقام بين يديه يحدّ النظر إليه، فقال: يا يهودي! ما حاجتك؟
قال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الّذي كلّمه الله، وأنزل عليه التوراة والعصا، وفلق له البحر، وأظلّه بالغمام؟
فقال له النبي صلّى الله عليه وآله: إنّه يكره للعبد أن يزكّي نفسه، ولكنّي أقول:
إنّ آدم عليه السّلام لمّا أصاب الخطيئة، كانت توبته أن قال: اللهمّ إنّي أسألك بحق محمّد وآل محمّد، لما غفرت لي، فغفرها الله له.
وإنّ نوحاً عليه السّلام لمّا ركب في السفينة وخاف الغرق، قال: اللهمّ إنّي أسألك بحق محمّد وآل محمّد، لما أنجيتني من الغرق. فنجّاه الله منه.
وإنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا ألقي في النار قال: اللهمّ إنّي أسألك بحق محمّد وآل محمّد، لمّا أنجيتني منها، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً.
وإنّ موسى عليه السّلام لمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللهمّ إنّي أسألك بحق محمّد وآل محمّد، لمّا أمنتني منها. فقال الله جلّ جلاله: (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الاَْعْلى)(8).
يا يهودي! إنّ موسى لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوّتي، ما نفعه إيمانه شيئاً، ولا نفعته النبوّة.
يا يهودي! ومن ذرّيتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته، فقدّمه وصلّى خلفه»(9).

(1) سورة الكهف، الآية: 10.
(2) سورة الكهف، الآية: 15.
(3) سورة الكهف، الآية: 16.
(4) سورة البقرة، الآية: 37.
(5) بحار الأنوار 44 / 245.
(6) سورة القمر، الآية: 13.
(7) بحار الأنوار 26 / 332.
(8) سورة طه، الآية: 68.
(9) بحار الأنوار 16 / 366.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *