مناقشته

مناقشته
وقد أجاب عنه في مصباح الاصول : بأنّا نسلّم بهذه الحكومة ، لكنّها متوقّفة على الوصول ، وما دام اعتبار الظنّ غير واصل فلا حكومة ، ويكون موضوع أدلّة النهي ـ وهو عدم العلم لا باقياً ، وعليه ، ففي كلّ ظن شك في اعتباره ، بمعنى عدم الوصول ، يتمسّك بالعام ، لعدم الحكومة ، ولا إشكال .(1)
أقول :
وفيه تأمّل ، والوجه في ذلك : عدم مدخليّة الوصول ، لأنّ الحكومة هي التصرّف في موضوع الدليل ، إمّا بالنفي وإمّا بالإثبات ، فإنْ كان الثاني أنتج التوسعة في الموضوع مثل : الطواف بالبيت صلاة ، وإنْ كان الأول أنتج فيه التضييق وكان في قوّة التخصيص مثل : لا ربا بين الوالد والولد … فالحكومة تصرّف من الشارع في موضوع المحكوم ، ولا يكون فعل الشارع متقوّماً بالوصول إلى المكلّف . وفيما نحن فيه : يعتبر المولى خبر الثقة علماً ليخرج من تحت الآية المباركة : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(2) ، فهي حكومة جاءت من جعل المولى واعتباره ، ولا معنى لتقوّم جعله بالوصول .
وبعبارة اخرى : إنّ الوصول متقوّم بالواصل ، ولولا وجوده قبل الوصول لم يتحقق الوصول ، وليس الواصل إلاّ اعتبار الشارع ، فكان اعتبار الشارع ـ وهو تصرّفه في الموضوع كما مرّ ـ متقدّماً على الوصول ، فيستحيل أنْ يكون دخيلاً في اعتبار الشارع .
فالإشكال على الميرزا مندفع .
لكنّ التحقيق : أن ما نحن فيه ليس من التمسّك بالدليل في الشبهة الموضوعية ، لأنّ الدليل هو قوله تعالى ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) والحكومة مسلّمة ولا تقوّم لها بالوصول ، غير أنّه قد اعتبر في الدليل الوصول إلى المكلّف قيداً لارتفاع الموضوع ، لقوله تعالى ( لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) . فكأنه يقول : لا يجوز العمل بغير العلم الواصل إليك ، فلم يكن المعتبر هو العلم وحده ، بل العلم الواصل ، وحينئذ ، لا يكون التمسّك بالعامّ من التمسّك به في الشبهة الموضوعية له ، لأنه مع الشك لا يتحقق الموضوع المقيّد .
فظهر أنه لا حاجة إلى التمحّل والقول بتوقف الحكومة على الوصول ، بل نقول بأنّ ما اُخذ في موضوع الدليل هو بلسان قاصر في موارد الشك .
فثبت الأصل اللّفظي .

(1) مصباح الاصول 2 / 115 .
(2) سورة الإسراء : 36 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *