جواب المحقق الفشاركي عن الوجه الثاني

جواب المحقق الفشاركي عن الوجه الثاني
فالأول ، ما أفاده السيد المحقق الفشاركي وتبعه الشيخ الحائري ، وهو :
إنّ الأوامر الظّاهريّة ليست بأوامر حقيقية ، بل هي إرشاد إلى ما هو أقرب إلى الواقعيات ، وتوضيح ذلك ـ على نحو يصح في صورة انفتاح باب العلم ولا يستلزم تفويت الواقع من دون جهة ـ أن نقول : إن إنسداد باب العلم كما أنه قد يكون عقليّاً ، كذلك قد يكون شرعيّاً ، بمعنى أنه وإن أمكن للمكلّف تحصيل الواقعيات على وجه التفصيل ، لكن يرى الشارع العالم بالواقعيّات أن في التزامه بتحصيل اليقين مفسدة ، فيجب بمقتضى الحكمة دفع هذا الالتزام عنه ، ثم بعد دفعه عنه لو أحاله إلى نفسه يعمل بكلّ ظن فعليّ من أي سبب حصل ، فلو رأى الشارع بعد أن صار مآل أمر المكلّف إلى العمل بالظن ، أن سلوك بعض الطرق أقرب إلى الواقع من بعض آخر ، فلا محذور في إرشاده إليه ، فحينئذ نقول :
أما اجتماع الضدّين ، فغير لازم ، لأنه مبني على كون الأوامر الطرقيّة حكماً مولويّاً ، وأما الإلقاء في المفسدة وتفويت المصلحة ، فليس بمحذور بعدما دار أمر المكلّف بينه وبين الوقوع في مفسدة أعظم(1) .
أقول:
وحاصله : إنه قد يلزم من الإلزام باليقين مفسدة أعظم من التعبّد بالظن ، فيتعبّد الشارع بالظن حتى لا تفوت مصلحة الظنّ ، كما لو يلزم من الإلزام بالعلم واليقين بالأخذ من الإمام ، مفسدة إراقة الدماء من ناحية اُمراء الجور مثلاً ، فحينئذ : لا مناص من التعبّد بالظن والأخذ بمفاده دفعاً لتلك المفسدة التي هي أعظم .
لكن يرد عليه :
إنه أخصّ من المدّعى ، كأن يفرض البحث في زمن النّبي صلّى اللّه عليه وآله حيث لا مفسدة للإلزام بالعلم واليقين . هذا أوّلاً .
وثانياً : إنّ هذا خلاف الضرورة ، إذ لا ريب في أنه لا يوجد في الشريعة مورد يكون تحصيل اليقين والعمل به محرّماً بأصل التشريع وبالعنوان الأوّلي .
وثالثاً : لو فرض وجود المفسدة الأهم في الإلزام باليقين في مورد ، فإنه يكون من صغريات التزاحم في مرحلة الملاكات ، وحينئذ ، ترفع اليد عن الحكم المترتب عليه المفسدة العظيمة ، وإنْ كان الملاكان متساويين ، فالحكم هو التخيير .

(1) درر الفوائد ( 1 ـ 2 ) 354 ـ 355 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *