لو باع الفضول العين؟

لو باع الفضول العين؟
قوله:
ولو باع العين ثالث فضولاً، فأجاز المالك الأوّل على القول بالملك، لم يبعد كون إجازته رجوعاً، كبيعه وسائر تصرّفاته الناقلة.
أقول:
إنه بناءً على القول بالملك، لا إشكال في نفوذ إجازة المالك الثاني. أمّا إجازة الأوّل، فقال الشيخ: لم يبعد كونه رجوعاً كبيعه. أي: إنه لو رجع عن المعاطاة فأجاز فلا إشكال، لأنها إجازة في ملكه.
إنما الكلام فيما لو أجاز من دون رجوع سابق، فقد يقال: إجازته لغو، إذ كان له حق الرجوع في المعاطاة، والإجازة لبيع الفضول إنما هي من المالك، وهذا ليس بمالك الآن، نعم، له الرجوع فيما ملّكه، لكنّ الرّجوع شيء والإجازة شيء آخر.
قلت: إن كان الإشكال من هذه الناحية، أمكن الجواب: بأن المفروض كون هذا الشخص الذي له الرجوع ملتفتاً إلى أنه ليس بمالك حتى يجيز، فإذا أجاز مع ذلك، دلّت إجازته بالدلالة الالتزاميّة على الرّجوع قبلها ووقوعها في ملكه.
بل الإشكال هو: أنه في بيع الفضول يعتبر الإجازة من المالك، وهذا الشخص بإجازته يريد الرّجوع فيما ملّكه، فإجازته محققّة للرجوع وتملّكه، فإن كانت الإجازة في نفس الوقت منفّذة لبيع الفضول، لزم أنْ تؤثر الإجازة أثرين متناقضين، هما كونه رجوعاً وتملّكاً، وكونه خروجاً للمال عن ملكه. وبعبارة اخرى: يلزم أن يكون الرجوع مفيداً لملكيّة نفسه ولملكيّة المشتري من الفضول، وهذا غير ممكن، لأن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون مملوكاً في وقت واحد لمالكين اثنين.
لكنّ الشيخ جعل رجوعه كبيعه، والإنصاف هو الفرق، لأنه لو كان هو البائع، فإنْ كان بيعه بالإيجاب والقبول اللّفظيين، كان الإيجاب منه محقّقاً لرجوعه وبقبول المشتري يتحقّق البيع والملكية له، فهما ملكيّتان في وقت واحد، أمّا في البيع بالمعاطاة، فيتوقّف على الاسترجاع من الطرف والإعطاء للمشتري، بأنْ يكون الاسترجاع رجوعاً والإعطاء بيعاً، لكنَّ الإجازة أمر واحد وليس بمركّب مثل البيع.
ويمكن الجواب: بأنّ أساس البحوث في المعاطاة هو الإنشاء، وهو يتحقّق باللّفظ أو الفعل، فإذن، لا أثر لتمليك الغير وإنشاء ملكيّته للشيء في عالم الذهن، وعليه، فمن يجيز المعاملة بقصد الرجوع ولا يريد العبث واللّغو، يكون دخول الشيء في ملكه مسبَّباً عن إرادته، وأمّا تمليكه الغير فمسبّب عن إجازته، فهنا علّتان ومعلولان، وقد تحقّقا في وقتين، فكان القصد أوّلاً ثمّ كان التمليك والإخراج عن الملك.
فإن قلت: الإرادة الباطنيّة لا أثر لها، بل لابدّ من الكاشف، وهو الإنشاء لا غير.
قلت: إنه لابدّ من الكاشف كما أشرنا من قبل، لكنْ لا حاجة في الإجازة والرجوع ونحوهما إلى خصوص الإنشاء، بل يكفي الكاشف كيفما كان.
وتلخّص: أن الإجازة كاشفة عن الإرادة، وهي سبب الدخول في الملك، والإجازة سبب النقل إلى الغير، فلم يجتمع في آن واحد ضدّان أو نقيضان.
فإن قلت: إنّ الإجازة متوقفة على مالكيّة المجيز، وهي متوقّفة على رجوعه، فلو كانت الإجازة رجوعاً، لزم الدّور.
قلت: لا دور، لتعدّد الحيثيّة، لأنّ كون الإجازة رجوعاً يتوقّف على حيثيّة صدورها، لكنّ المتوقف على الرجوع هو تأثيرها، فذاك التوقف من حيث الوجود وهذا من حيث التأثير.
ويبقى الإشكال: بأنّ إرادة الرجوع تؤثر في عود الملك إلى المالك الأوّل، لوجود الكاشف، فمؤثريّة الإرادة مشروطة بمجئ الإجازة الكاشفة، فيكون الأثر في حين تحقّق الشرط، فلا فعليّة للرّجوع إلاّ في زمان الإجازة، وزمانها هو زمان تأثير عقد الفضول، فيعود المحذور.
والجواب عنه ـ وهو دقيق ـ هو: إنه لا مانع من تأثير الشيء الواحد أثرين بنحو المعيّة في مقام التأثير، وفيما نحن فيه، إنّما يرد الإشكال لو كانت الملكيّتان متحققتين معاً في الوجود، لكنّ الإجازة تؤثّر أوّلاً في ملكيّة المالك، وهي مقدّمة بالتقدّم الطبعي على ملكيّة المشتري، لوضوح أنّ ملكية المالك شرط لملكيّته، فهي متأخّرة عنها طبعاً.
قوله:
ولو أجاز المالك الثاني، نفذ بغير إشكال.
أقول:
نعم، لا إشكال فيه، وهو واضح.
قوله:
وينعكس الحكم إشكالاً ووضوحاً على القول بالإباحة.
أقول:
أمّا إجازة المبيح، فلا ريب في تأثيرها، لأنّه المالك، والمفروض بقاء العين في ملكه وكونه مباحاً عند الطرف. وأمّا إجازة المباح له، ففيها الإشكال، لكونه مباحاً له التصرّف، ولم يتصرّف التصرّف الناقل، ولا تؤثّر الإجازة منه لعدم كونه مالكاً.
نعم، يمكن أنْ يقال: إن واقع التصرّف من المجيز لا من المتصرّف، لأنّ قوام البيع بالإجازة، وبعبارة اخرى: كما كان له إنشاء حقيقة البيع بلفظه، كذلك له إيجاد حقيقة البيع بالإجازة لبيع الفضول، فلا فرق بين الإجازة والإنشاء.
قوله:
ولكلٍّ منهما ردّه قبل إجازة الآخر.
أقول:
أما بناءً على القول بالملك، فلو ردّ المالك الثاني، فلا إشكال في تأثيره، لأنّه قد ردّ بيعاً واقعاً في ملكه، وأمّا الأوّل، فلا يؤثّر ردّه، لعدم كونه مالكاً. نعم، يمكن أن يقال: إنه لما يردّ، فهو ملتفت إلى أنّ الردّ إنما يؤثر مع حقّ الإجازة، والإجازة إنما تؤثّر مع المالكيّة، وحينئذ، فلمّا يردّ، فلابدّ من أنّه بردّه قَصَد الرجوع عن المعاطاة وإعادة الملك إلى نفسه، ويكون ردّه مؤثّراً، فإنْ تمّ هذا فهو، وإلاّ فلا وجه لتصحيح تأثير ردّه.
وأمّا بناءً على الإباحة، فردّ المبيح لا إشكال فيه كما هو واضح، وأمّا ردّ المباح له، ففيه الإشكال المتقدّم، إلاّ أن يقال: كما أنّ المباح له أنْ يتصرّف بالتصرّف البيعي، كذلك له أنْ يمنع الغير عن البيع ورفعه، لأن رفع البيع نحو من أنحاء التصرّف، فإنْ تمّ هذا فهو وإلاّ فلا أثر لردّه.
قوله:
ولو رجع الأوّل فأجاز الثاني، فإنْ جعلنا الإجازة كاشفةً لغا الرّجوع، ويحتمل عدمه لأنّه رجوع قبل تصرّف الآخر فينفذ وتلغو الإجازة، وإنْ جعلناها ناقلةً لغت الإجازة قطعاً.
أقول:
للكشف أربعة أنحاء:
فتارة: حقيقي محض، حيث أن الفضول لمّا باع فقد أثّر بيعه حين وقوعه، وليس للإجازة اللاّحقة إلاّ الكاشفيّة عن مؤثّرية بيع الفضول، وحينئذ، فلا فائدة في الردّ والرجوع، لأنه إنّما يؤثّر في حال بقاء الملك على ملكه، والمفروض تأثير البيع وخروج الملك عن ملك المالك ودخوله في ملك المشتري، بل يكون الرجوع رجوعاً في ملك الغير، لأن موضوعه هو ملك المتعاطيين، فالردّ لغو والإجازة تؤثّر في الكاشفيّة، فما أفاده الشيخ متين جدّاً.
واُخرى: أن تكون الإجازة المتأخّرة في مؤثّرة في صحّة عقد الفضول، بأنْ تكون الإجازة المتأخّرة شرطاً للصحّة، سواء قلنا بأن المتأخّر بما هو متأخّر شرط، أو قلنا بأنّ الشرط هو التعقّب، على ما سيأتي في محلّه إن شاء اللّه.
وثالثة: الكشف الحكمي، بمعنى أنْ لا أثر للعقد في حينه، غير أن الشّارع قد تعبّدنا بترتيب آثار الملكيّة من حين العقد بعد الإجازة.
ورابعة: هو الكشف الإنقلابي، فإنه من حين الإجازة يعتبر الملكيّة من أوّل الأمر.
أمّا على القول بكون الكشف بنحو الشرط المتأخّر أو الكشف الحكمي أو الإنقلابي، فإنّ اللاّزم القول بلغويّة إجازة الثاني وأنّ الرجوع مؤثّر، فإنه في الشرط المتأخّر ما لم يتحقّق الشرط لا يحكم بتأثيره، فإذا رجع المالك الأوّل لم يبق مجالٌ لرجوع الثاني لعدم كونه مالكاً. وإنْ قلنا بأنه حكمي أو انقلابي فبالأولويّة، لأنّه ما لم يجز فلا أثر للعقد، فإذا جازت حكم الشارع أو انقلب، والمفروض أن المتعاطي قد رجع، وعليه، فالمجيز غير مالك ولا أثر لإجازة غيره.
هذا كلّه بناءً على الملك.
وأمّا بناءً على الإباحة ـ وإنْ قصدا التمليك ـ فباع ثالث فضولةً المال المباح، فإنْ رجع المبيح في المعاطاة وأجاز المباح له، أثّر الرجوع ولا أثر للإجازة، لأنه بالرجوع قد خرج المال من تحت سلطنة المباح له، وهذا بناءً على الكشف الحقيقي واضح، وأمّا بناءً على النقل، فالإجازة لاغية. وكذا بناءً على الكشف بنحو الشرط المتأخّر أو الكشف الحكمي أو الإنقلابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *