هل تجري أحكام الخيار في المعاطاة؟

هل تجري أحكام الخيار في المعاطاة؟
قوله:
وأمّا حكم جريان الخيار فيها قبل اللّزوم، فيمكن نفيه على المشهور، لأنها إباحة عندهم، فلا معنى للخيار، وإنْ قلنا بإفادة الملك، فيمكن القول بثبوت الخيار… إلاّ أن أثره يظهر بعد اللّزوم… ويحتمل أنْ يفصّل بين الخيارات المختصّة بالبيع… .
أقول:
عبارته مجملة، ولذا أشكل عليه بعض الأكابر(1): بأنها إنْ أفادت الملك فهي بيعٌ قبل اللّزوم، فلماذا قال بعد اللّزوم؟
لكنّ الظاهر غفلة المستشكل عمّا سيذكره الشيخ في التنبيه السّابع، حيث نقل عن الشهيد الثاني في المسالك قوله: «اللهم إلاّ أنْ يجعل المعاطاة جزء السّبب والتلف تمامه»، فمن ملزمات المعاطاة التصرّف، ومنها التلف، وعلى هذا، فإنّ المعاطاة جزء لسبب، وبعد تحقّق الجزء الآخر ـ وهو التصرّف أو التلف ـ يصدق البيع بالحمل الشائع، وأمّا قبل ذلك، فقد تحقق جزء السبب ولا يصدق عنوان البيع.
فالإشكال مندفع.
ويمكن أن يحمل كلام الشيخ على أنّ المراد هو: إنّ المعاطاة تفيد الملك الجائز ويجري فيه الخيار، فإنْ لزم بأحد الملزمات ظهر أثر الخيار، لأنّ الخيار يناسب اللّزوم.
هذا، وتفصيل الكلام بالنظر إلى الأقوال في المعاطاة أن يقال:
أمّا على القول: بأنّ المتعاطيين ينشآن الإباحة من أوّل الأمر، كما ذهب إليه صاحب الجواهر، فلا معنى للخيار مطلقاً.
وأمّا على القول: بأنها معاوضة مستقلّة، كما حكي عن الشيخ الكبير، ثبت فيها الخيارات الجارية في مطلق المعاوضات دون المختصّة بالبيع.
وأمّا على القول: بأنهما ينشآن البيع، لكنّ الشارع لا يرتّب إلاّ الإباحة، كما هو ظاهر المشهور، فلا تجري الخيارات، لأنه بيع فاسد لا يفيد إلاّ الإباحة الشرعيّة، والملكيّة إنما تحصل بسبب حادث لا بالمعاطاة.
ولا يتوهّم: أن موضوع أدلّة الخيارات هو البيع العرفي، وهو صادق عرفاً على فصل المتعاطيين، فلابدّ من جريان تلك الأدلّة.
وذلك: لأنّ الشارع لا يرتّب حكماً من أحكامه على شيء لم يجعله موضوعاً لذلك الحكم، والمفروض هنا أنّ المعاطاة عند الشارع بيع فاسد، وإنْ كانت عند العرف بيعاً، ولا يعقل أنْ يرتّب حكماً من أحكام البيع على ما هو موضوع عند غيره وليس بموضوع عنده!
وأمّا على القول: بأنّ المعاطاة بيع لكنّها جزء السّبب، والجزء الآخر هو التصرّف الناقل أو التلف، كما حكاه الشيخ عن المسالك، ـ بمعنى أنْ يقتضي صدق عنوان البيع لكنّه لا يتم إلاّ بأحد الأمرين، أو هو جزء للمقتضي وأحدهما الجزء الآخر، والتعبير الأوّل أجود، وقريب منه كلام المحقق الخراساني، إذ جعل المقام نظيراً لبيع السّلف كما تقدّم. وبالجملة، فإنّه بالتصرّف أو التلف يكون بيعاً شرعيّاً ـ فقال الشيخ: بثبوت الخيار وأنّ أثره يظهر بعد اللّزوم.
والإنصاف: أنه لا يمكن المساعدة عليه، لأنه إذا ثبت ظهر أثره عند ثبوته، إذْ لا معنى لانفكاك الأثر عن ذي الأثر، وأمّا إنْ لم يكن ثابتاً وإنّما المقتضي له موجود، فتحقّقه يكون بعد اللّزوم.
وأمّا على القول: بأنّهما ينشآن البيع والتمليك، والملكيّة الشرعيّة متحقّقة من أوّل الأمر، لكنّها بيع جائز حتى يجيء شيء من الملزمات فيلزم، كما عليه الشيخ، فالظاهر أن عمومات أدلّة الخيار في البيع مثل: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع» تعمّ البيع اللاّزم والجائز، وكذا قوله عليه السّلام: «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام» فإنه يعمّ المعاطاة المفيدة للملكيّة. لكنّ الإجماع قائم على عدم اللّزوم، فجعل الخيار من الشارع يستلزم اللّغويّة وهو محال.
فالخيارات البيعيّة غير جارية في المعاطاة، على القول المختار.
اللّهم إلاّ أن يقال: بأن الخيار حقٌّ وموضوعه عبارة عن حلّ العقد، والجواز ـ في قولنا: المعاطاة تفيد الملك الجائز ـ حكمٌ وموضوعه هو الترادّ، فالخيار غير الجواز موضوعاً وحكماً، ولا يخفى الفرق بين الحق والحكم، من حيث أن الأوّل يصالح عليه ويقبل السقوط والانتقال، بخلاف الحكم.
وربما يقال: لو فرضنا أنّ الخيار والجواز واحد، فِلمَ لا يكونان سببين لمسبَّب واحد هو جواز الترادّ، وقد أجاز الشيخ في الخيارات أن يكون للخيار الواحد سببان؟

(1) حاشية الإصفهاني 1 / 155.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *