هل يجري حكم الرّبا في المعاطاة؟

هل يجري حكم الرّبا في المعاطاة؟
قوله:
وبما ذكرنا يظهر وجه تحريم الرّبا فيها أيضاً وإنْ خصّصنا الحكم بالبيع، بل الظاهر التحريم حتى عند من لا يراها مفيدة للملك، لأنّها معاوضة عرفيّة وإنْ لم تفد الملك، بل معاوضة شرعيّة كما اعترف بها الشهيد… .
أقول:
وهل يجري الرّبا في معاطاة المكيل والموزون؟
الأقوال في المعاطاة أربعة:
أحدها: إن المتعاطيين ينشآن البيع والتمليك، لكنّها لا تفيد شرعاً إلاّ الإباحة.
والثاني: إنّها تفيد البيع والتمليك شرعاً، وهل هو لازم أو جائز؟ قولان.
والثالث: إن المعاطاة معاوضة مستقلّة وليست ببيع.
والرابع: إنهما يتعاطيان بقصد الإباحة لا البيع والتمليك.
أمّا على القول: بأنها بيع وتفيد الملكيّة ـ مع قصد المتعاطيين ذلك ـ فلا إشكال في جريان الرّبا، لأن القدر المتيقّن من الرّبا كونها في البيع، والمفروض أن المعاطاة ـ على التقدير المذكور ـ بيع، ولا فرق بين أنْ تكون الملكيّة جائزة أو لازمة، ولا فرق أيضاً بين أن تجعل الملكيّة منوطةً بالتصرّف أو التلف، فإنه إذا كانت بيعاً ترتّب الحكم.
وأمّا على القول: بأنها معاوضة مستقلّة، فجريان الربا مبنيٌّ على الخلاف في أنّ الرّبا مختصّة بالبيع أو تجري في مطلق المعاوضات، فعن ابن إدريس والعلاّمة في الإرشاد: الأوّل، والمشهور هو الثاني، لقوله تعالى (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(1)، لأنّ الرّبا هي الزّيادة على رأس المال وقد حرّم اللّه الرّبا، سواء كانت المعاطاة بيعاً أو معاوضةً مستقلّة، ومن النصوص الدالّة على ذلك:
1 ـ خبر أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السّلام في حديث: «إنّ علي بن أبي طالب كان يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، لأنّ تمر المدينة أجودهما، ولم يكن على يكره الحلال»(2).
2 ـ وعن أبي عبداللّه عليه السّلام أنه سئل: «أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال: لا يجوز إلاّ مثلاً بمثل…»(3).
والحنطة والشعير في باب الرّبا جنس واحد، كما لا يخفى.
3 ـ وفي صحيح الحلبي: «الفضّة بالفضّة، مثلاً بمثل، ليس فيه زيادة ولا نقصان، الزائد والمستزيد في النّار»(4).
فالرّبا جارية في المعاطاة حتّى على القول بكونها معاملة مستقلّة.
وأمّا على القول: بأنها تفيد الإباحة شرعاً وإنْ قصدا البيع والتمليك، فربّما يقال بعدم جريان الرّبا، لعدم الملكيّة، لكنّ لحرمة الرّبا جهة التكليف والوضع معاً، فبناءً على هذا القول تثبت الحرمة التكليفيّة، وهي بيع فاسد، وحينئذ، لا موضوع للبحث عن الحرمة الوضعيّة.
قوله:
ولو قلنا بأن المقصود للمتعاطيين الإباحة لا الملك، فلا يبعد أيضاً جريان الرّبا، لكونها معاوضةً عرفاً. فتأمّل.
أقول:
وهذا هو القول الأخير، وتقريب الجريان هو: إنه وإنْ قصدا الإباحة إلاّ أنها بعوض، فبناءً على جريان الرّبا في المعاطاة حتى على القول بأنها معاملة مستقلّة تكون جاريةً هنا أيضاً، لما تقدّم من حرمة الرّبا في مطلق المعاوضات.
لكنّه أمر بالتأمّل.
ولعلّ وجهه: إن المراد من «يستبدل» في الرواية: إن كان الاستبدال المطلق الشامل للاستبدال من حيث الإباحة أو الملك، كانت الحرمة ثابتةً، لكنّ ظاهر اللَّفظ هو بدليّة الشيء عن الشيء في حدّ نفسه من جهة المكان لا من حيث عروض شيء عليه، والبدليّة الإباحيّة ليست بدليّةً عن الشيء في حدّ نفسه، لأن في الإباحة حيثيّة الترخيص من المالك وليس أحد المالين بدلاً عن الآخر، فالإباحة بالعوض ليست إباحة مطلقةً مجانيّة، لكنْ لا دليل على جريان الرّبا في الإباحة بالعوض، لعدم الاطلاق في «الاستبدال». وبالجملة، فإنّ الرّبا تجري في مطلق المعاوضات الملكيّة، لا الأعمّ من الملكيّة والإباحيّة.
وتلخّص: إن المعاطاة بيع، والقدر المتيقّن من أدلّة تحريم الرّبا هو البيع، فهي جارية في المعاطاة.

(1) سورة البقرة: 275.
(2) وسائل الشيعة 18 / 151، الباب 15 من أبواب الرّبا، الرقم: 1، وفيه «أدونهما» بدل «أجودهما».
(3) وسائل الشيعة 18 / 138، الباب 8 من أبواب الرّبا، الرقم: 2.
(4) وسائل الشيعة 18 / 165، الباب 1 من أبواب الصّرف، الرقم: 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *