الاستدلال بالحديث: المؤمنون على شروطهم

الاستدلال بالحديث: المؤمنون على شروطهم
قوله:
وكذلك قوله صلّى اللّه عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم، فإنّ الشرط لغةً مطلق الالتزام، فيشمل ما كان بغير اللّفظ.
أقول:
تقريب الاستدلال ـ سواء كان لفظ الحديث: «المؤمنون»(1) أو «المسلمون»(2) ـ أن المؤمن إذا اشترط شرطاً يقف عنده ولا يتخلَّف عنه، وهذا هو المدلول المطابقي، وهو حكم تكليفي ظاهراً، فيجب الوفاء بالشرط ولا يجوز رفع اليد عنه.
والقول بأنه(3) كناية عن صحّة الشرط أو لزومه: خلاف الظاهر.
إنما الكلام في الصغرى، إذ المعاطاة بيع، ولكنْ هل البيع شرطٌ حتى يجب الوقوف عنده؟
قد اختلفت كلمات أهل اللّغة في معنى الشرط، فقيل: هو الإلزام والالتزام، وقيل: العهدة، وقيل: التعليق، وقيل: الربط. وفي القاموس: قرار يرتبط بالبيع، ولا يبعد أن يكون الأوّل، ولذا يقال في التكوينيّات: الشرط في نموّ النبات شروق الشمس عليه، أو الشرط في تحوّل الماء بخاراً إصابة النار. أي يلزم ذلك.
وبعبارة اخرى: اللّزوم تارة: تكويني، فيقال: شرط المشي كذا، وشرط الجلوس كذا، وشرط الطبخ كذا… واخرى: جعلي، فيقال: الوضوء، ستر العورة، الاستقبال، شرط للصّلاة… فالصّلاة مرتبطة بهذه الامور، وثالثة: اللّزوم الحاصل بحسب الجعل، بأنْ يقيّد المتعاقدان التزامهما بالبيع ـ مثلاً ـ بشيء كخياطة الثوب.
وعلى ما ذكر، فإن كان الالتزام الابتدائي مصداقاً للشرط، كان البيع شرطاً، إلاّ أنّ ذلك غير ثابت لغةً، بل القدر المتيقَّن من الشرط أن يكون العمل مرتبطاً بعمل آخر، فيتحقّق اللّزوم والالتزام بين العملين.
فظهر: أن صدق عنوان «الشرط» على «البيع» غير واضح، ففي الاستدلال بالحديث على لزومه نظر[1].
[1] ويتلخّص الكلام في المقام: في توقّف الاستدلال على صدق «الشّرط» على ما كان من الالتزام بغير اللّفظ، وعلى صدقه على الالتزام الإبتدائي والضمني. وبعبارة اخرى: يتوقّف الاستدلال بالحديث على أن يكون «الشرط» فيه مطلقاً من الجهتين، فإذا كان ذلك وكان الحديث ظاهراً في التكليف، تمّ الاستدلال به على لزوم المعاطاة.
أمّا أنّ الشرط في اللّغة هو «الالتزام»، فلا كلام فيه.
وأمّا أنّه يعمّ ما كان بغير اللّفظ، فكذلك.
وأمّا أنه يعمُّ الابتدائي والضمني، وأنّ الحديث ظاهرٌ في التكليف، فمحلّ خلاف:
قال المحقّق الإيرواني: هذا الاستدلال مبنيٌّ على صدق الشرط على الالتزام الإبتدائي، وهو محلّ نظر بل منع. وأيضاً: على استفادة الوجوب من خطاب المؤمنون… وهو محلّ نظر، بل يمكن أنْ يدّعى أن خطاب «المؤمنون عند شروطهم» نظير «المؤمن إذا وعد وفى»(4) خطابٌ أخلاقي مسوقٌ لما يقتضيه الإيمان ويقود إليه.
ومن العجب اختلاف كلمات الشّيخ في معنى الحديث:
قال في بحث الخيارات: لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائيّة، بل المتبادر عرفاً هو الإلزام التابع، كما يشهد به موارد استعمال هذا اللّفظ حتى في مثل قوله عليه السّلام في دعاء التوبة… وقوله عليه السّلام في أوّل دعاء الندبة… مع أنّ كلام بعض أهل اللّغة على ما ادّعينا من الاختصاص، ففي القاموس: الشرط إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه»(5).
وقال في بحث الشّروط: الشرط يطلق في العرف على معنيين، أحدهما: المعنى الحدثي، وهو بهذا المعنى مصدر شرط… وفي القاموس: إنه إلزام الشيء والتزامه في البيع وغيره. وظاهره كون استعماله في الإلزام الإبتدائي مجازاً أو غير صحيح…»(6).
وكذلك كلمات الفقهاء… .
وكلمات اللّغويين أيضاً مختلفة، فمنهم من قال بأنّه مطلق الالتزام، ومنهم من قال بأنّه التزام في التزام… كما أشار السيّد الجدّ قدّس سرّه، فراجع.
هذا، والنصوص أيضاً مختلفة، فمنها: ما هو ظاهر في الشرط الابتدائي، كحديث بريرة: «الولاء لمن أعتق وشرط اللّه آكد»(7). ومنها: ما هو ظاهر في الشرط الضّمني، كرواية منصور بن يونس عن عبد صالح قال: «قلت له إنّ رجلاً من مواليك تزوّج امرأةً ثم طلّقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلاّ أن يجعل اللّه عليه أن لا يطلّقها ولا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بداله في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليفِ للمرأة بشرطها، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال: المؤمنون عند شروطهم»(8).
وإذا كان لفظ الشرط مجملاً مردّداً بين الأقل والأكثر، فاللاّزم هو الأخذ بالقدر المتيقن، وهو ما نصَّ عليه السيّد الجدّ رحمه اللّه.

(1) وسائل الشيعة 15 / 30، الباب 20 من أبواب المهور، الرقم: 4.
(2) وسائل الشيعة 18 / 16، الباب 6 من أبواب الخيار، الرقم: 1.
(3) حاشية المكاسب للإصفهاني 1 / 148.
(4) دعائم الإسلام 1 / 64 في حديث.
(5) المكاسب: 216 ط الشهيدي.
(6) المكاسب: 275 ط الشهيدي.
(7) مستدرك الوسائل 15 / 31، الباب 36 من أبواب كتاب النكاح، الرقم: 2.
(8) وسائل الشيعة 21 / 276، الباب 20 من أبواب المهور، الرقم: 4.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *