المعاطاة

المعاطاة
قال الشيخ:
إعلم أنّ المعاطاة ـ على ما فسّره جماعة ـ أنْ يعطي كلٌّ من اثنين عوضاً عمّا يأخذه من الآخر.
أقول:
تعريف المعاطاة
أي: إنّ المعطي يعطي الشيء عوضاً عمّا سيأخذه من الآخذ الذي يعطي عوضاً عمّا أخذه، فالبايع يأخذ بعدُ والمشتري يأخذ بالفعل.
وهذا الذي ذكره عبارة عن المعاوضة لا البيع بالتعاطي والمعاطاة البيعيّة التي تسدّ مسدّ البيع بالصّيغة وتحلّ محلّه، فكأنّه بصدد بيان المعنى اللّغوي للمعاطاة، إذ يتحقّق بإيجابين وقبولين، لأنّ كلاًّ منهما يوجب بإعطائه ويقبل بأخذه، أمّا في البيع المعاطاتي، فإنّ الإعطاء هو الإيجاب والأخذ هو القبول، فالمقوّم له نفس الإعطاء للغير وأخذ الغير للشيء، سواء دفع العوض بالفعل أو لم يدفع، فلا مدخليّة في حقيقته لإعطاء المشتري، ولذا يتحقّق نسيئةً، حيث يعطي أحدهما بعوض يكون في ذمّة الآخر إلى أجل معيّن، وذاك يقبله بالأخذ، ويكون دفعه للعوض وفاءً لمّا تعهّده.
فإنْ قلت: وفي النسيئة أيضاً، يكون الإعطاء مقوّماً وإنْ كان بعد حين.
قلت: إذاً يلزم في النسيئة أنْ لا يكون الآخذ للشيء مالكاً له حين الأخذ، بل يملكه إذا حلّ الأجل ودفع العوض، فلو تعذّر عليه دفعه عند حلوله لزم القول بعدم حصول الملكيّة له فيما أخذه نسيئةً، مع أنّ الأمر ليس كذلك، فإنه يملك الشيء من حين أخذه.
فالصّحيح أنْ يقال بأن: المعاطاة أنْ يعطي أحدهما قاصداً التمليك بعوض ويأخذه الآخر.
فإن كان رحمه اللّه في مقام تعريف البيع بالتعاطي، توجّه عليه الإشكال بعدم انطباق ما أفاده عليه، فلابدّ من القول بأنه بصدد بيان المفهوم اللّغوي، لا سيّما بالنظر إلى قوله بعد ذلك: وهو يتصوّر على وجهين، أحدهما: أنْ يقصد الإباحة، لأنّ قصد الإباحة أجنبي عن البيع.
لكنْ يبقى عليه ما تقدّم من أنّ هيئة المفاعلة غير موضوعة لغةً لصدور الفعل من الاثنين، وأنّ مدلولها صدور المبدء من الشخص متوجّهاً إلى الغير أعمّ من أنْ يصدر من الآخر كذلك أوْ لا يصدر، كما في خاطب زيد عمراً، ووارى الميّت وخادع بكراً… وهكذا[1].
[1] أقول: حاصل كلامه طاب ثراه الاعتراض ـ كغيره من الأكابر ـ على التفسير المذكور، قالوا: إنّ لفظ المعاطاة لم يرد في شيء من النصوص وغيرها من الأدلّة ليحتاج إلى تفسيره. وأيضاً، فإن الفقهاء يريدون بالمعاطاة كلّ معاملة لم تكن بالصّيغة بالشروط المعتبرة شرعاً، وبعبارة أخرى: إنّهم يقصدون أنه كما يتحقّق البيع ـ مثلاً ـ بالإنشاء اللّفظي ويترتّب عليه الأثر، فهل يتحّقق ذلك بالفعل أوْ لا؟ فهذا هو موضوع البحث، ولذا حمل السيّد الجدّ قدّس سرّه ما ذكره الشيخ رحمه اللّه على المعنى اللّغوي حفظاً لمقامه العظيم، ولكنّ معنى المعاطاة لغةً ـ وهو العطاء من الجانبين كما ذكروا ـ لا مساس له بالبيع، فليته قال: أنْ يعطي كلّ من اثنين عوضاً عمّا يأخذه من الآخر على وجه الملكيّة، حتّى ينطبق التعريف على البيع لغةً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *