الكلام على اشكال الشيخ على المعنى الثالث

الكلام على اشكال الشيخ على المعنى الثالث
قوله:
وأمّا البيع بمعنى العقد، فقد صرّح الشهيد الثاني رحمه اللّه بأن إطلاقه عليه مجاز لعلاقة السببيّة. والظّاهر: إن المسبّب هو الأثر الحاصل في نظر الشارع… .
أقول:
حاصل إشكال الشيخ على هذا المعنى بناءً على مختاره في تعريف البيع هو:
أن الإيجاب والقبول سببٌ للملكيّة، أي: إن التمليك الذي يقصده المالك يحصل بواسطة الإيجاب والقبول، وليس البيع نفس الإيجاب والقبول. فقول القائل باعتبارهما هو بلحاظ أن المقصود من البيع هو ترتب الأثر في نظر الشارع، وهو المسبب من الإيجاب والقبول، وبهذا اللّحاظ يقال: لزم البيع، وجب البيع، أقال البيع… وهكذا. وعلى الجملة، فالبيع هو إنشاء التمليك لا الإيجاب والقبول، وهذا هو البيع الاصطلاحي.
والحاصل: فإن المسبب عن العقد هو البيع الاصطلاحي حقيقةً أو مجازاً، أي المعنى الاسم مصدري، وأمّا البيع بالمعنى اللّغوي فهو النقل الإنشائي الحاصل من الموجب، ضرورة أن المنشأ لا ينفك عن إنشائه بل متّحد معه[1].
[1] وأمّا قول القائل كما حكاه الشيخ عنه: «بل الظاهر اتّفاقهم على إرادة هذا المعنى في عناوين أبواب المعاملات، حتى الإجارة وشبهها التي ليست هي في الأصل اسماً لأحد طرفي العقد». فقد أجاب عنه المحقق الإيرواني(1): ليت شعري كيف يتّفقون على ما هو واضح البطلان… و في مصباح الفقاهة(2): إنّا لم نجد مورداً يستعمل فيه لفظ البيع وغيره في الإيجاب والقبول، فلا وجه صحيح لحمل الألفاظ المذكورة في طليعة عناوين المعاملات على ذلك، بل إنّ ألفاظ العقود برمّتها أسماء لأحد طرفي العقد وهو الإيجاب. وأمّا الإجارة والوكالة، فلا يبعد أن تكونا أيضاً من أسماء فعل الموجب…».
وأمّا ما نسبه الشيخ إلى الشّهيد الثاني، ففي مصباح الفقاهة(3) أن هذه النسبة غير ثابتة، وقد قال السيد في الحاشية(4): إن كان نظر المصنف في هذا الإسناد إلى كلامه في المسالك، فلا يخفى أنه أجنبي عن المقام، وإنْ كان إلى كلامه في مقام آخر فلم أعثر عليه ولا على من نقله.
قال في المسالك في هذا المقام: اختلفت عبارات الأصحاب في حقيقة البيع، فجعله جماعة ـ منهم المصنف في النافع والشهيد ـ نفس الإيجاب والقبول الناقلين لملك الأعيان، واحتجّوا عليه بأنّ ذلك هو المتبادر عرفاً من معنى البيع، فيكون حقيقةً فيه. وذهب آخرون إلى أنه أثر العقد وهو انتقال العين… .
وردّه الشهيد في بعض تحقيقاته إلى الأوّل، نظراً إلى أنّ الصّيغة المخصوصة سبب في الإنتقال، فأطلق اسم المسبب على السبب وعرّف المغيّى بالغاية.
وفيه نظر، لأن الإطلاق المذكور مجازي يجب الاحتراز عنه في التعريفات الكاشفة للماهيّة، وأمّا التعريف بالغاية بهذا المعنى فغير جائز، لأن حملها على المغيّى حمل المواطاة ـ أعني حمل هو هو ـ الغاية ممّا لا يصحّ حملها عليه كذلك، وإنما يدخل الغاية في التعريفات على معنى أخذ لفظ يمكن حمله على المعرّف مشيراً إلى الغاية وغيرها من العلل التي لا يصحُّ عليه حمل المواطاة، وهو هنا منتف.
قال السيد: ولا يخفى أن قوله: وفيه نظر لأنّ الإطلاق المذكور مجازيّ. ناظر إلى ما صنعه الشّهيد في ردّ تعريف البيع بالانتقال إلى تعريفه بالعقد، بدعوى أنه ذكر الانتقال واُريد منه العقد مجازاً، من باب إطلاق اسم المسبّب ـ وهو الانتقال ـ على السبب وهو العقد، ولا دخل له بكون إطلاق البيع على العقد مجازاً، بل ظاهره أنه حقيقة فيه.
هذا، ولا يخفى أنّ ظاهر عبارة الشهيد الأوّل أنّ التعريف بالانتقال جامع للأمرين، من إطلاق اسم المسبّب على السّبب، ومن كونه تعريفاً للمغيّى بالغاية، مع أنه ليس كذلك، بل إمّا من ذا أو من ذلك، وذلك لأنه إنْ اُريد من الانتقال العقد مجازاً، كان من الأوّل، وإنْ اُريد منه معناه الحقيقي، كان من الثاني، لأنه حينئذ يكون من باب تعريف الشيء بلازمه المترتّب عليه، فكان الأولى أن يعطف بـ«أو» دون «الواو».

(1) حاشية المكاسب: 74.
(2) مصباح الفقاهة 2 / 76.
(3) مصباح الفقاهة 2 / 77.
(4) حاشية المكاسب 1 / 312.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *