الكلام على إشكال الشيخ على المعنى الأوّل

الكلام على إشكال الشيخ على المعنى الأوّل
ثم إنّ الشيخ أشكل على المعنى الأوّل بما حاصله: عدم صحّة أخذ قيد التعقّب بالقبول في معنى البيع المصطلح، وإنما هو فرد انصرف إليه لفظ البيع في مقام قيام القرينة على إرادة الإيجاب المؤثّر ـ وهو ملكيّة المشتري ـ الذي لا ينفك عن المؤثّر وهو التمليك، لأنّ التمليك متقوّم بالملكيّة ـ ولولاها لم يصدق ـ والملكيّة الخارجيّة منوطة بقبول المشتري، وذلك يكون بقيام القرينة.
فهنا مرحلتان، مرحلة تأثير فعل البائع، وهو حصول الملكيّة، لأنّ الأثر لا ينفك عن المؤثّر، ومرحلة الخارج، ومن الجائز أنْ لا تحصل الملكيّة في الخارج إلاّ بعد القبول، فكان القبول شرطاً لحصول الملكيّة الخارجيّة لا أنه مقوّم لمفهوم البيع، ولذا قال:
فالبيع وما يساويه معنىً من قبيل الإيجاب والوجوب لا الكسر والانكسار كما تخيّله بعض. فتأمّل.
أي: لأنّه يعقل الانفكاك بين الوجوب والإيجاب خارجاً، مثلاً: لو أوجب المولى شيئاً ولم تقم على المكلّف حجّةٌ وأجرى البراءة عن التكليف، تحقّق الإيجاب ولم يتحقّق الوجوب، لأنّ الوجوب عبارة عن ثبوت التكليف في ذمّة العبد، ولا تحقّق له إلاّبقيام الحجّة، فكان البعث من المولى حاصلاً من غير أنْ يكون انبعاث من العبد، لعدم قيام الحجّة، وكذلك الحال ـ بناءً على القول بالواجب المعلّق ـ حيث يكون الإيجاب من ا لمولى متحقّقاً، والوجوب غير موجود بل هو متأخّر عن القيد المعلَّق عليه، فما نحن فيه من هذا القبيل، وليس من قبيل الكسر والانكسار، إذْ لا يعقل الكسر خارجاً وعدم تحقّق الانكسار.
هذا شرح كلام الشيخ، ويمكن تأييده بأنّه: لو كان معنى البيع مأخوذاً فيه التعقّب بالقبول، فإنَّ كلّ مقيّد يتوقف تحقّقه على تحقق القيد، فلا تحقّق للبيع إلاّ بعد القبول، لكنّ قبول البيع متوقف على تحقّق البيع، فيكون البيع متوقّفاً على القبول، والقبول متوقّفاً على البيع، وهذا دور.
إلاّ أنه ينبغي المزيد من الدقّة:
إن المفاهيم تارةً: جوهريّة، كالماء والتراب ونحوهما من الموجودات الخارجيّة، وهذه المفاهيم تارةً لها وجود ذهني وأخرى وجود خارجي، وربما يحصل لها الوجود التنزيلي كما يقول السكّاكي. والمفاهيم الجوهريّة لا تقع في حيّز الإنشاء.
وأخرى: هي مفاهيم عرضيّة، وهذه على قسمين:
فالقسم الأوّل: ما يفيد مفاد المصدر، أي: النّسبة الناقصة، وقد يكون له وجود ذهني، وقد يكون وجود خارجي بمعونة القرينة، فالأكل والشرب ونحوهما هي من المفاهيم العرضيّة الرابطيّة، إلاّ أنّها موجودة في الخارج أوْلا، فإنّ ذاك خارج عن حدّ المفهوم فيها.
والقسم الثاني: ما يفيد مفاد الماضي والمضارع والأمر، فالماضي يدلُّ على أنَّ العرض له نسبة تحقّقية لموضوعه، مثل: أكل وشرب، ويكون لهذه النسبة وجود في الخارج لا محالة وإلاّ لم تكن تحققيّةً، لأنّ الحقيقة ترادف الوجود كما ذكر المحقق الطوسي رضوان اللّه عليه، وكذا غيره من المشتقات.
وثالثة: مفاهيم اعتباريّة، كالزوجيّة والملكيّة، وليس لها وجود، غير أنّها تقبل الوقوع في حيّز الإنشاء، وهي دائماً بحاجة إلى مصحّح الاعتبار، وهو قد يكون شرعيّاً وقد يكون عقلائياً، وإن جاز أنْ يقال بأنّ العقلائي شرعي أيضاً، غير أنّ الشارع قد يمضي اعتبار العقلاء وقد لا يمضي.
فالملكيّة أمر اعتباري، فإذا ملّك داره لزيد، فقد اعتبر ملكيّة الدار له، والعقلاء قد يمضون اعتباره وقد لا، والشارع قد يمضي اعتبارهم وقد لا يمضي.
إذا عرفت هذه المقدّمة، ظهر لك أنّ تعقّب البيع بالقبول بالنسبة إلى الملكيّة العقلائيّة والشرعيّة معتبر، إلاّ في الملكيّة القهريّة، واعتبارها في البيع والشراء بدون تعقّبه لا مصحح له عقلاءً وشرعاً، ويبقى اعتبار المالك وحده، فهل يمكن الاعتبار منه والتمليك المالكي حيث يعلم أنْ لا وجود خارجي للطرف المقابل، أو له وجود ولكنْ لا يسمع، أو يسمع ولا يريد القبول؟
وبعبارة أخرى: لا ريب أنّ الإنشاء خفيف المؤنة، لأنه قصدٌ لثبوت المعنى باللّفظ، فيعتبر السماء ـ مثلاً ـ مالكاً للدار ويقول: ملّكت السماء، ولكنّه في مقام الجدّ وإرادة تمليك الغير جدّاً، هل يعقل التمليك المالكي من دون تحقق للقبول الخارجي؟
الإنصاف هو العدم، وإنّ التمليك المالكي بنحو الجدّ منوط بوجود قبول في الخارج، وبالتفات البائع إلى أن الطرف المقابل سيقبل، فالقول بتقوّم مفهوم البيع بالقبول بعد الإيجاب قريبٌ جدّاً، والدّور الذي ذكرناه يشبه الدّور المعي[1].
[1] قد ذكرنا دليل القولين، ويتلخّص دليل القول الأوّل كما ذكر الشيخ في وجهين: أحدهما: هو التبادر، والثاني: صحّة سلب البيع عن الإيجاب المجرّد عن القبول.
فأجاب الشيخ: بأنّ الظاهر أنه ليس من جهة حاقّ لفظ البيع، وإنما هو لأن هذا اللَّفظ إذا أطلق ينصرف منه إلى الذهن الفرد المثمر وهو المتعقَّب بالقبول.
ويقول الشيخ: بأنّه إذا أوجب البائع، تحقّقت الملكيّة في اعتباره، وإنْ لم يحصل النقل والإنتقال في الخارج، فنسبة البيع إلى الأثر الحاصل منه نسبة الإيجاب والوجوب لا الكسر والانكسار، على ما تقدّم.
وقد اختلفت أنظار الأعلام في هذه المسألة، ولغير واحد منهم حاشية مطوّلة في هذا الموضع:
أمّا السيّد الجدّ، فقد وافق كاشف الغطاء وعليه السيّد اليزدي، قال مشيّداً دعوى التبادر وصحة السّلب: التحقيق: هو ما ذكره ذلك البعض من كون التعقّب معتبراً في تحقّق البيع بالمعنى المصطلح، وذلك: لِما ذكره من التبادر وصحّة السّلب، فإن المتبادر من لفظ البيع وسائر تصرّفاته هو: التمليك المتعقّب بالقبول، واعتبار لحوقه من باب الشرط المتأخّر، فلو قال: بعت داري، والمفروض أنه لم يقبل المشتري يقال: إنه كاذب في إخباره. وما ذكره المصننّف رحمه اللّه من أن ذلك من جهة الإنصراف. فيه: إنه لو كان كذلك، وجب أنْ يكون كذلك في فقد جميع الشرائط الشرعيّة، مع أنه لو تحقّق القبول ولم يكن صحيحاً شرعيّاً من جهة فقد بعضها، يكون بيعاً قطعاً ولا يكون اللّفظ منصرفاً عنه ولا يعدّ الإخبار به معه من الكذب. وأيضاً: لو قال: بعت وما قبل المشتري، يعدّ تناقضاً، أو يحمل قوله على إرادة قصد البيع، بخلاف ما لو قال بعت مع عدم تعيين المبيع أو الثمن أو نحوهما من فقد سائر الشرائط، فإنه ليس تناقضاً قطعاً.
(قال): والحاصل… فالتمليك بلا قبول لا يكون تمليكاً وإيجاداً للملكيّة حتى في نظر البائع، بل يعدّ لغواً… البيع هو التمليك الذي هو جزء من المعاملة، فإذا حصلت بطرفيها يقال لإيجابها البيع ولقبولها الشراء، فالبيع الفعلي ما يقابل الشراء الفعلي، ولو تحقّق البيع بمجرّد إنشاء البائع مع عدم قبول المشتري، لزم كونه من باب الإيقاع، مع أنه ليس كذلك بل هو من العقود، لا بمعنى أنه بنفسه عقد بل بمعنى أنه جزء العقد، والعقد ليس عبارةً عن إيقاعين مستقلّين بل إيقاعين مرتبطين.
(قال) فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ الحقّ كون قيد التعقّب معتبراً في حاقّ البيع المصطلح، من باب الشرط المتأخر… فالمقام نظير ما يقوله صاحب الفصول من أن الواجب من المقدّمات هي الموصلة، وظنّي أن ما ذكرنا مراد جميع الفقهاء، وإنّما لم يتعرّضوا له لكمال وضوحه»(1).
وأشكل السيّد الخوئي على ردّ الشيخ على كلام كاشف الغطاء بقوله: «يتوجّه على هذه المناقشة وجوه:
الأول: ما ذكره السيّد في حاشيته، فذكر خلاصة كلام السيّد اليزدي المتقدّم.
والثاني: إنه لا وجه صحيح لتفرقة المصنّف بين الإيجاب والوجوب وبين الكسر والانكسار، بديهة أنّ الفعل الصّادر من الفاعل أمر وحداني لا تعدّد فيه بوجه، وإنّما التعدد فيه بحسب الاعتبار فقط، كالإيجاد والوجود… ودعوى: أن الوجوب ينفكّ عن الإيجاب، ولكنّ الكسر لا ينفك عن الإنكسار، جزافيّة، إذ الإيجاب أيضاً لا ينفكّ عن الوجوب، إلاّ أن عدم انفكاك أحدهما عن الآخر في نظر الآمر فقط، لا في الخارج وفي جميع الأنظار.
والثالث: إنّ البيع إنشاء تبديل عين بعوض في جهة الإضافة، ومن الظاهر أنّ هذا المعنى لا يتحقّق إلاّ بتعقّب الإنشاء بالقبول، وعليه، فلا يوجد مفهوم البيع بالإيجاب إلاّ عند تعقّبه بالقبول بنحو الشرط المتأخر أو على سبيل القضيّة الحينيّة، وإذن، فينحلّ البيع في الحقيقة إلى قضيّة شرطيّة أو حينيّة، فمعنى قول البائع: «بعت المتاع الفلاني من زيد» أنه: بعته إيّاه إنْ قبله أو حين قبوله. وقد يتوهّم: أن ذلك يرجع إلى التعليق وهو مبطل للعقود بالضرورة، ولكنّ هذا التوهّم بديهي الفساد… .
وقد اتّضح لك ممّا بيّناه: أنه لا يوجد البيع في أيّ وعاء من الأوعية بالإيجاب الخالص، ومن هنا، لا يطلق «البائع» على من أوجب البيع ولم يتعقّب ذلك بالقبول، وكذلك الحال في سائر العقود برمّتها»(2).
وما ذكره أخيراً هو ما ذهب إليه أستاذه الميرزا النائيني، بناءً على مختاره في تعريف البيع قال: «إنّ البيع عبارة عمّا يصدر من البائع لكنْ لا مطلقاً ولا مشروطاً بالتعقّب بالقبول، بل في ظرف تحقّق القبول، بمعنى إذا تحقّق جملة الإيجاب والقبول من البائع والمشتري، كان الصّادر بيعاً والصّادر من المشتري شراء… .
إن حقيقة البيع عبارة عن التمليك الصادر عن البائع في ظرف تملّك المشتري، فالصّادر أوّلاً عن البائع هو التمليك ويتملّك الثمن ضمناً، والصّادر من المشتري أوّلاً هو تملّك المبيع ويتضمّن ذلك تمليك الثمن، فالتمليك والتملّك صادران عن البائع والمشتري كليهما، إلاّ أنهما يتفاوتان في الصّراحة والضّمنية على ما بيّناه، وعلى هذا، فالحق في تعريف البيع هو القول بأنه تمليك عين بعوض أو تمليك مال بعوض أو مع تبديل التمليك بالتبديل(3).
ووافق شيخنا دام بقاه الشيخ فيما ذهب إليه ودافع عنه، فأشكل على السيّد بوجهين: أحدهما: إن من ألفاظ قبول البيع عنده ـ وعند السيد الخوئي ـ وهو «ابتعت»، فلو كان البيع هو الإيجاب المتعقّب للقبول، فأيّ شيء قبله بهذا اللفظ؟
والثاني: الدور الذي ذكره سيدنا الجدّ تأييداً لقول الشيخ.
لكن السيّد الجدّ طاب ثراه أجاب: بأن الدور المزبور يشبه الدّور المعي، وهو جار في كلّ متلازمين هما من قبيل الفاعل والقابل، كالإحراق والاحتراق والكسر والانكسار والتمليك والتملّك والتعليم والتعلّم والبعث والإنبعاث ونحوها.
وأمّا الوجه الأوّل، فيمكن الجواب عنه: بأنّ قوله: ابتعت قبولٌ للبيع لا للإيجاب، وهذا يجتمع مع كون الإيجاب مشروطاً بالتعقّب بالقبول وهذا هو البيع، خلافاً للشيخ القائل بأنه فعل البائع فقط، والإشكال بما ذكر مبنيّاً على مسلك الشيخ مصادرة.
وأجاب شيخنا عمّا ذكره السيّد ـ وتبعه السيّد الخوئي ـ بأنه إذا كان البيع هو الإيجاب المجرَّد، كان البيع إيقاعاً، والحال أنه عقد عند جميع الفقهاء، بأنّ: العقد في الحقيقة ايقاع لكنه إيقاع مشروط بإيقاع، فلكّل من البائع والمشتري إيقاع وبكليهما يتحقّق العقد، بخلاف مثل الطلاق فهو إيقاع من طرف واحد.
ولكنّ الالتزام بما ذكر مشكل، إذ معناه أنْ لا يكون عندنا في الفقه عقد، بل الموجود هو الإيقاع غير أنه على قسمين، فيلزم تغيير ترتيب الفقه وتقسيم الأبواب الفقهيّة من جديد.
وأجاب عمّا ذكره المحقق النائيني ـ وجوّزه تلميذه المحقق ـ بوجهين فقال:
إنّ القبول ـ كالرّد ـ إنّما يصدق حيث يمكن مقابله فيقال: قِبلَه، فيما إذا كان الرد ممكناً، ويقال: ردّه، فيما إذا كان القبول ممكناً، فلو كان البيع هو الإيجاب في حين القبول لم يكن للقبول معنى، لأنّه لابدّ أنْ يتعلّق بالإيجاب. والمفروض أنه ليس إلاّ حين القبول. هذا أوّلاً. وثانياً: إن الإيجاب من البائع الملتفت إمّا يكون مقيّداً بالقبول من المشتري وإمّا يكون مطلقاً لا بشرط وإمّا يكون مهملاً. أمّا الإهمال فخلف، والتقييد محال لأنه بأمر خارج عن الاختيار، يبقى كونه لا بشرط عن القبول وهو قول الشيخ، فالملكيّة يكفي في تحقّقها بإيجاب البائع وبمجرّد اعتباره.
لكنْ يرد عليه: ما ذكره السيّد الجدّ طاب ثراه من أنّ هذا الاعتبار غير ممضى من العقلاء، والشارع غير مصحّح لهذا الاعتبار، وشيخنا لم يُجب عن هذا الإشكال.
وأمّا المحقق الإصفهاني قدّس سرّه فذهب إلى: أن القول بتعقّب الإيجاب بالقبول أجنبي عن مرحلة المفهوم الذي هو محلّ الكلام في مقام تحديد البيع، بل التعقّب دخيل في التمليك المعاملي البيعي. وقد ذكر لهذا المدّعى مقدمات:
الأولى: إن الألفاظ كلّها موضوعة لنفس المعاني المجردّة عن جميع أنحاء الوجود العيني والذهني والحقيقي والاعتباري والذاتي والعرضي الإنشائي، ضرورة أن فائدة الوضع والاستعمال هو الإنتقال من سماع اللّفظ إلى معناه، والإنتقال وجود ادراكي، والموجود بأيّ وجود كان لا يقبل الوجود الآخر، مماثلاً كان أو مقابلاً، وعليه، فمعنى البيع إذا كان هو التمليك فالموضوع له طبيعي التمليك المقابل لجميع أنحاء الوجود، لا الطّبيعي الموجود بوجود إنشائي ولا الطبيعي الموجود بوجود حقيقي.
وقد أورد شيخنا على هذه المقدّمة، أمّا المبنى من أن الموضوع له اللّفظ هو الطبيعي بغضّ النظر عن الوجود، ففيه: كيف ذا واللّه سبحانه يقول: (وَلِلّهِ اْلأَسْماءُ الْحُسْنى) والباري عزّ وجلّ وجود كلّه؟ وأمّا في التمليك، فإنّ من الجائز وضعه للتمليك الإنشائي والتمليك الحقيقي غير المقيّدين بالوجود.
الثانية: إنه بعد ما تقدّم من أنّ لفظ البيع موضوع للطبيعة المجرّدة من الوجود مطلقاً، يتّضح أنّ دعوى تبادر التمليك الحقيقي أو الإنشائي منه بلا وجه، لعدم دخل الوجودين في الموضوع له والمستعمل فيه قطعاً.
لكنْ قد تقدّم أن الموضوع له ليس الإنشائي أو الحقيقي المقيّد بالوجود، فالتبادر تام.
الثالثة: إن البيع الحقيقي الذي يترتّب عليه الآثار عرفاً وشرعاً، لا يوجد إلاّ بعد الإيجاب والقبول المستجمعين للشرائط العرفيّة والشرعيّة، إلاّ أنّ السبب والشرط من علل الوجود ومباديه لا من علل القوام وما يتقوّم به طبيعي البيع في حدّ ذاته، وعليه، فتعقّب الإيجاب بالقبول لا خصوصيّة له في عدم دخوله في معناه، بل الإيجاب كذلك، كما أنه بالنظر إلى وجود البيع الحقيقي لا خصوصيّة لدخالة القبول بل جميع الشرائط، كما أنّه بالنظر إلى التمليك الإنشائي بما هو تمليك إنشائي لا يعتبر إلاّ ما يتقوّم به إنشاء الملكية وهو اللفظ المقصود به ثبوت المفهوم والمعنى تنزيلاً وعرضاً، ولا يعقل دخل إنشاء معنى في إنشاء معنى آخر، كما أنّ دخل إنشاء القبول في تحقّق العقد بما هو عقد يتقوّم بإيجاب وقبول من الواضحات.
ولعلّ الخلط بين علل الوجود وعلل القوام، أو الخلط بين الوجود الإنشائي والوجود الاعتباري، أوجب هذه الأوهام. وباللّه الاعتصام(4).
فأورد عليه شيخنا: بأن القبول من الأمور الإضافيّة، فبأيّ واحد من أقسام البيع الثلاثة ـ الطبيعي، والانشائي وهو الوجود اللفظي، والحقيقي وهو المتحقّق بعد الإيجاب والقبول المستجمعين للشرائط ـ يتعلَّق؟ أمّا البيع الحقيقي، فالمفروض أن تحقّقه فرع القبول، فلا يعقل تعلّق القبول بما هو فرع له، وأمّا البيع الإنشائي، فالمفروض أنه ليس إلاّ وجود البيع بالجعل والمواضعة، والقبول لا يتعلّق بالوجود اللفظي للبيع والتمليك، وأمّا طبيعي التمّليك والبيع، فلا وجود له حتى يتعلّق به القبول.
وتلخّص:
عدم تماميّة ما ذهب إليه الشّيخ وما ذهب إليه المحقّقان الإصفهاني والنائيني، وما ذهب إليه السيّدان اليزدي والجدّ الأمجد هو المختار، فتدبّر.

(1) حاشية المكاسب 1 / 307 ـ 311.
(2) مصباح الفقاهة 2 / 72 ـ 74.
(3) المكاسب والبيع 1 / 104 ـ 106.
(4) حاشية المكاسب 1 / 76.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *