كيفيّة إخراج القرض

كيفيّة إخراج القرض
قوله:
بقي القرض داخلاً في ظاهر الحدّ، ويمكن إخراجه بأنّ مفهومه ليس نفس المعاوضة، بل هو تمليك على وجه ضمان المثل أو القيمة لا معاوضة للعين بهما.
أقول:
لابدّ أوّلاً من بيان حقيقة القرض:
وهو في كلام الشيخ: تمليك على وجه الضّمان.
وقال المحقق الخراساني: المقصود من القرض هو التمليك لا مجّاناً بل بنحو الغرامة(1).
وقال شيخنا الأستاذ: هو تمليك ما له بدل واقعاً، فيقصد بتمليكه عدم المجانّية، لا جعله بأزاء شيء(2).
وقال الفاضل الإشكوري ـ وهو يقرّر كلام أستاذه المحقق الرشتي ـ لا معاوضة في القرض أصلاً، بل هو عبارة عن تسليم تشخّص العين مع بقاء ماليّته، بمعنى أن للعين جهة تشخّص وماليّة خاصّة وجهة كليّة وماليّة كليّة، فالمنتقل هي الماليّة الشخصيّة، وأمّا الكليّة، فهي باقية على ذمّة المقترض برسم الأمانة، فلا معاوضة في البين، نظير حكم الشارع بجواز التصرّف في الملتقط ليحفظ في ذمّته وإنْ ذهب تشخّصها(3).
قوله:
ولذا لا يجري فيه ربا المعاوضة ولا الغرر المنفي فيها ولا ذكر العوض ولا العلم به. فتأمّل.
أقول:
إنه لا يقدح الجهل بكون الشيء مثليّاً أو قيميّاً، بل لو قال له: أقرضتك ما في الصندوق، وهو جاهل بمقداره، صحّ على الأصحّ.
والتحقيق: إن التمليك أمر قصدي، وهو ليس بمقصود في القرض، ويشهد بذلك كلمات أهل اللغة:
ففي المصباح المنير: «والقرض ما تعطيه غيرك من المال لتقضاه»(4).
وفي القاموس: «ما تعطيه لتقضاه»(5).
وفي المفردات: «وسمّي ما يدفع إلى الإنسان بشرط ردّ بدله قرضاً»(6).
وفي مجمع البحرين: «هو إعطاء شيء ليستعيد عوضه في وقت آخر»(7).
مضافاً، إلى أنّ التمليك لا يخلو من أن يكون بلا عوض أو مع العوض ولا ثالث، وحيث أنّ القرض ليس بهبة ولا معاوضة، إذ لا يلزم فيه ذكر العوض، فليس هو تمليكاً من المقرض. وأيضاً، فما ذكر من الضّمان، ليس من باب ضمان اليد، إذ ليس للمالك المطالبة بالشيء مع كونه موجوداً كما هو المشهور، كما لا يجب على المقترض دفعه، بل له أن يؤدّي مثله أو قيمته حتى مع وجوده. وليس من باب ضمان الإتلاف، لأن مورده إتلاف مال الغير بدون إذنه، فلا يشمل القرض، ولو أريد الأخذ بضمان الإتلاف، بمعنى أن يعطيه الشيء لأنه يضمنه لو أتلفه، لزم أن لا يكون مالكاً له وإنما قد أبيح له التصرف فيه، وإلاّ فلا معنى لضمان الإتلاف في ملك نفسه.
هذا بالنسبة إلى كلام الشيخ.
وأمّا ما ذكر من الغرامة، فالأمر أشكل، لأن الغرامة هي الخسارة، ولا موضوع لها في القرض.
وأمّا ما ذكره شيخنا الأستاذ، من أنه تمليك ما له بدل واقعاً، ففيه: أنه لو قال ماله بدل بحسب الاتّفاق بين الطرفين لكان أولى، على أنه يسأل: هل هذا البدل بنحو الغرامة أو العوض؟ وكلاهما غير تام.
فالقرض: إعطاء الانسان المال إلى الغير، بجعله في عهدته مع قطع إضافته إلى نفسه، وهذا هو المناسب لمفهوم القرض لغةً، فإنه في اللّغة بمعنى القطع، ومنه الحديث: «قرضوا لحومهم بالمقاريض»(8)، ولازم ذلك تملّك الغير الآخذ له، والعهدة أعمّ من العين وبدلها[1].
[1] أقول: قد ذكر الشيخ في مقام الجواب عن الإشكال وجوه الفرق بين البيع والقرض بالنظر إلى حقيقتهما ثم بالنظر إلى آثارهما، وقد حمل السيّد الجدّ طاب ثراه قوله: «على وجه ضمان المثل»، على الضّمان الإصطلاحي، فبيّن عدم انطباق أدلّة الضمان على القرض، لكن المحقق الإصفهاني رحمه اللّه، قد أوضح مراد الشيخ بقوله: توضيحه: أنّ مجرد قصد العوض لا دخل له بالعوض التسبيبي، فتارةً: يكون الشّخص في مقام تبديل ماله بشيء فهو بيع، وأخرى: في مقام تمليك ماله ببدل واقعاً، فيقصد بتمليكه عدم المجانيّة، لا جعله بأزاء شىء فهو قرض. فهو في الحقيقة تمليك على وجه التضمين، لا تمليك محض ولا تضمين محض(9).
وعلى هذا، فمراد الشّيخ من الضمان هو المعنى اللغوي، أي: عدم المجانّية وكون الشيء في عهدة المقترض بأنْ يؤدّي العين أو بدلها، وهو ما اختاره السيّد الجدّ.
وهذا هو مراد المحقق الخراساني من «الغرامة».
وهو مراد المحقق الإيرواني، من أن القرض عبارة عن تمليك العين وتأمين الماليّة(10).
لكنّ السيّد الجدّ طاب ثراه لم يعبّر بالتمليك، وإنّما قال: إنه الإعطاء بجعل الشيء في العهدة ـ أي لا مجّاناً ـ مع قطع إضافته إلى نفسه، وقطع المعطي إضافة الشيء إلى نفسه هو واقع التمليك.
كما أنّه قدّس سرّه نفى أن يكون القرض معاوضةً تبعاً للشّيخ، وهو رأي جماعة من الفقهاء، خلافاً لآخرين، كابن حمزة والشهيدين والأردبيلي وصاحب الريّاض وغيرهم على ما حكي عنهم، وكيف كان، فإنه لا خلاف في أنّ القرض ليس مجّاناً، ولكنْ ما هو العوض أو الذي في العهدة؟ هل المثل أو القيمة أو شيء آخر وهو العهدة كما عبَّر السيّد الجدّ أو الضمان كما عبّر الشيخ الأستاذ؟
لكنَّ الظاهر: إنه لا عرفيّة لكون القرض معاوضةً، وعلى فرضه، فلا عرفيّة لكون العوض هو الضمان نفسه، ولذا قال السيّد الجدّ: أن العهدة أعمّ من العين وبدلها.

(1) حاشية المكاسب: 6.
(2) حاشية المكاسب 1 / 72.
(3) بغية الطالب 1 / 39.
(4) المصباح المنير: 497.
(5) القاموس المحيط 2 / 342.
(6) المفردات في غريب القرآن: 400.
(7) مجمع البحرين 4 / 226.
(8) ذكره صاحب مجمع البحرين في «قرض» 4 / 227، قال: أي قطعوها.
(9) حاشية المكاسب 1 / 72.
(10) حاشية المكاسب: 74.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *