إنتقاض طرده بالصّلح

إنتقاض طرده بالصّلح
قوله:
وفيه: إن حقيقة الصلّح ـ ولو تعلّق بالعين ـ ليس هو التمليك على وجه المقابلة و المعاوضة، بل معناه الإصلي هو التسالم… .
أقول: ملخّص الجواب:
أوّلا: إنّ الصّلح لا يتعدّى إلى المال بنفسه ولا يقال: صالحتك هذا، بل على هذا، أو عن هذا، بخلاف التمليك، وذلك أمارة الاختلاف بينهما مفهوماً.
وثانياً: إنه لا يجوز أنْ يورد النقض بخصوص مورد استعماله فيما يتعلَّق بالعين في مقابل العوض، لأن استعماله فيه وفي سائر الموارد إنما هو بجامع واحد وهو التسالم، ويشهد بذلك: أنه لو طالب خصمه أنْ يصالح عن شيء بشيء، لم يكن ذلك إقراراً بملكيّته له، بخلاف ما لو طلب منه التمليك فقال: ملّكني هذا، فإنه نظير أنْ يقول: بعني هذا ويكون إقراراً منه.
فائدة:
المصالحة: المسالمة، والتصالح: التسالم، فإن استعمل بهيئة المفاعلة تعدّى إلى الطرف بنفسه فيقال: صالحته وسالمته، وبهيئة التفاعل: تصالحت معه وتسالمت معه، أو يقال: تصالحنا، قال الراغب: «السّلام والسِّلم والسَّلَم: الصّلح. قال تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا…)(1) وفي المنجد في اللغة: «الصّلح: السّلم، وهو اسم من المصالحة، وصالحه مصالحةً: وافقه، خلاف خاصمه، وتسالم القوم: تصالحوا وتوافقوا»(2).
ثم إنْ كان الصّلح في مقام رفع اليد عن الشيء يقال: صالحته عن حقوقي ـ مثلاً ـ بكذا، وربما يقدّر ما يرفع اليد عنه على مبنى أمر معيّن فقال: صالحته على كذا، أو يتوافقان على قرار معيّن بينهما كما في الشريكين، بأنْ يكون الربح والخسران على أحدهما، أو بأنْ يكون الشراء من أحدهما والبيع من الآخر، أو بما يسدّ مسدّ المضاربة، فيقال: صالحتك على كذا، وربما يتصالح على أنْ يكون شيء في مقابل شيء، فيقال: صالحته على أن يكون كذا بكذا»[1].
[1] أقول: قد أجاب الشّيخ عن النقض بالصّلح بالوجهين الأساسيين اللّذين ذكرهما السيّد الجدّ طاب ثراه. وأمّا الصّلح، فإنه مغايرٌ مفهوماً مع البيع بلا كلام، ولكنْ هل معناه: السّلم كما ذكر الشيخ ووافقه السيّد الجدّ، أو الموافقة والملائمة وقطع النزاع كما ذكر المحقق الإصفهاني(3) ووافقه سيّدنا الأستاذ(4)، أو التجاوز ورفع اليد عن متعلّق الصّلح كما في حاشية الإشكوري(5)؟
أمّا الأوّل، فهو ظاهر الراغب الإصفهاني وغيره كما تقدَّم، وأمّا الثاني، ففي مجمع البحرين: «وفيه: الصّلح جائز بين المسلمين إلاّ صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم حراماً. أراد بالصّلح التراضي بين المتنازعين، لأنه عقد شرّع لقطع المنازعة…(6). وأمّا الثالث، فقد قال المحقق الإصفهاني: سخيف جدّاً(7).
أقول: هذا بحسب ظاهر عباراتهم، ولعلّهم يشيرون إلى معنىً واحد.

(1) المفردات في غريب ألفاظ القرآن: 240.
(2) المنجد في اللغة: 432.
(3) حاشية المكاسب 1 / 70.
(4) بلغة الطالب: 40.
(5) بغية الطالب 1 / 37.
(6) مجمع البحرين 2 / 388.
(7) حاشية المكاسب 1 / 69.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *