ردّ الإشكال بعدم الشمول لبيع الدين على من هو عليه

ردّ الإشكال بعدم الشمول لبيع الدين على من هو عليه
قوله:
من تعقّل تملّك ما على نفسه…
أقول:
قد تقدّم الكلام عليه، وبالجملة: إن المبيع إنْ كان هو الكلّي من غير تقييد له بالكون في الذمّة، فهذا لا ماليّة له، وإنْ قيّد بكونه في ذمّة المديون لزم كونه مديوناً لنفسه. نعم، لو باع البايع ما هو مساو لذلك الكلّي في عهدة نفسه وتملّكه المشتري، سقط بالتهاتر. لكنّه خارج عن مورد النقض[1].
[1] أقول: قد تقدّم الكلام عليه في التحقيق عمّا أورده صاحب الجواهر في مسألة وقوع الحق عوضاً، وقد ذكر الشيخ هناك أنه يعقل أن يكون الشخّص مالكاً لِما في ذمّته فيؤثّر تمليكه السّقوط.
وحاصل كلام السيّد الجدّ طاب ثراه ورود النقض، للفرق الواضح بين الموردين، فهناك مالكان ومِلكان متحقّقان بسببين مختلفين فلا مانع عقلاً وعقلاءً، وعليه المشهور بل ادّعي عليه الإجماع، بخلاف المقام، ولذا قال المحقق النائيني: إنّ هذا وإنْ لم يكن من التهاتر حقيقةً إلاّ أنه أشبه شيء به(1)، وبذلك يظهر النظر في كلام المحقق الطباطبائي(2).
وبالجملة، فإنّ تعقل تملّك الإنسان لِما على نفسه، بأنْ يكون المديون مالكاً لِما في ذمّته آناًمّا ثم يسقط، فلا يكون لِملكيّته أثر إلاّ الّسقوط… أوّل الكلام.
وقرّر المحقق الخوئي الإشكال من جهة أخرى فقال: والتحقيق: إن مالكيّة الإنسان لذمّته أمر ذاتيّ تكويني، من غير أنْ يحتاج إلى الثبوت الاعتباري، بديهة أنّ الثبوت الإعتباري إنّما يصحّ فيما إذا لم يكن هناك ثبوت تكويني حقيقي، وإلاّ لكان الاعتبار لغواً محضاً وتحصيلاً للحاصل. وعليه، فإذا ملك شخص شيئاً في ذمّة غيره فقد ملكه بالملكيّة الإعتباريّة، وإذا انتقل ذلك المملوك إلى المملوك عليه، تبدّلت الملكيّة الاعتباريّة بالملكيّة الذاتيّة التكوينيّة، لما عرفت من لغويّة الثبوت الإعتباري في موارد الثبوت الحقيقي.
وإذن، فلا مجال للمناقشة في بيع الدين ممّن هو عليه باستحالة ملك الإنسان لما في ذمّته، كما لا مجال لتوهّم سقوط ذلك بعد التملّك، بل يوجب البيع تبدّل الإضافة الاعتبارية بالإضافة الذاتية.
فالحجر الأساسي للمناقشة في بيع الدين ممّن هو عليه، إنما هو خلط الملكيّة الذاتيّة بالملكيّة الإعتباريّة، وقد علمت الفارق بينهما(3).
فأورد عليه شيخنا الأستاذ دام بقاه: بأنّ الملكيّة القابلة للإنشاء هي الملكيّة الاعتباريّة، فإذا باع المالك الدين على من هو عليه، فقد أنشأ الملكيّة الاعتباريّة للمشتري، أمّا الملكيّة الذاتيّة، فلا تقبل الإنشاء، كما أنّ الملكيّة الذاتيّة غير قابلة للإعطاء من البائع لمن عليه الدين. ثم إنّ مفهوم «ملكّت» في البيع على من عليه الدين وعلى غيره، واحد، فلا معنى للقول بأنه في الثاني اعتباري وفي الأوّل ذاتي تكويني.
قال شيخنا: إنه بعد أن ظهر أنّ بيع الدين على من هو عليه غير عقلائي، يدور الأمر بين أن يقال بأنّه إبراء وليس بيعاً أو يقال بأنّه بيع بالتعبّد الشرعي، خاصّةً بالنظر إلى الإجماع المدّعى، بأنْ تحصل الملكيّة آناًمّا وتسقط.
لا يقال: المحذور عقلي، إذْ وجود الملكيّة علّة لعدمها.
لأنا نقول: ليس الأمر كذلك، بل قد اعتبر وجود الملكيّة آناًمّا ثم اعتبر زوالها، فكانت الملكيّة ناشئةً من الاعتبار وعدمها ناشئاً من اعتبار من بيده الاعتبار كذلك.

(1) منية الطالب 1 / 43.
(2) حاشية المكاسب 1 / 299.
(3) مصباح الفقاهة 2 / 59 ـ 60

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *