من أخبار استعمال البيع في نقل غير الأعيان

أقول:
من أخبار استعمال البيع في نقل غير الأعيان:
أمّا الأخبار، فهذه نصوص جملة منها:
فممّا ورد في بيع خدمة المدبّر:
1 ـ السّكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه… عن علي عليه السّلام: «باع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خدمة المدبّر ولم يبع رقبته»(1).
2 ـ أبو مريم عن أبي عبداللّه عليه السّلام: «عن رجل يعتق جاريته عن دبر، أيطؤها إنْ شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ فقال عليه السلام: أيّ ذلك شاء فعل»(2).
3 ـ «عن رجل أعتق جارية له عن دبر في حياته. فقال عليه السّلام: إنْ أراد بيعها باع خدمتها في حياته، فإذا مات أُعتقت…»(3).
وممّا ورد في بيع سكنى الدار:
ما رواه إسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام قال: «سألته عن رجل في يده دار ليست له، ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله، قد أعلمه من مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي، فيبيعها ويأخذ ثمنها؟ قال عليه السّلام: ما أحبّ أنْ يبيع ما ليس له. قلت: فإنه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمن هي، ولا أظنّه يجئ لها ربّ أبداً. قال: ما أحبّ أن يبيع ما ليس له. قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي؟ قال: نعم يبيعها على هذا»(4).
وأما بيع حقّه في الأرض الخراجيّة:
ففيه الخبر: «كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال عليه السّلام: ومن يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين! قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: ويصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال عليه السّلام: لا بأس، إشتري حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه…»(5).
ففي هذه الأخبار استعمل لفظ البيع ـ وكذا لفظ الشّراء ـ في نقل المنفعة.
و جاء في رواية سكنى الدار أنه قال عليه السّلام: «ما أحبّ أن يبيع ما ليس له».
فكيف أجاز بيع سكناها مع أنّه ليس له، لأنّ المفروض أن الدار ليست له، فليس له سكناها كذلك؟
الذي يختلج بالبال في حلّ هذا الإشكال هو: أنّ الدار كانت في أوّل الأمر بنحو الرقبى لشخص وذريّته، فآباؤه الأوّلون كانوا يعلمون بالحال، حتى إذا وصلت إلى المتأخرين من ذريّتهم جهلوا بالأمر، وأعلموا أولادهم بأنّها ليست لهم… فمن هنا أجاز الإمام عليه السّلام أنْ يبيع هذا الذي هي بيده سكناها، مع كونه ممنوعاً من بيعها.
وقول الشيخ: والظاهر أنها مسامحة في التعبير. أي مجاز، لِما تقرّر عنده من أنّ لفظ البيع لا يستعمل إلاّ في نقل الأعيان.
ومعنى ذلك: أن يكون قد آجرها لغرض استخدامها، فعبَّر عن ذلك ببيع الخدمة مجازاً.
لكنْ فيه: أنّه ليس بإجارة أيضاً، لأنه لم يقل: آجرتك الجارية، وإنما قال: بعتك خدمتها، فلا مناص من الالتزام بكونه بيعاً حقيقةً، أو أن الواقع معاوضة ثالثة.
وكذا الكلام في سكنى الدار ونحوه.
وقوله: كما أنّ لفظ الإجارة قد يستعمل في نقل الأعيان كالثمرة على الشجرة:
إنْ أراد ـ كما قيل ـ إجارة الشجرة الفاقدة للثمرة للانتفاع من ثمرتها فيما بعد، مع استعمال لفظ الإجارة، توجّه عليه: أنّ الالتزام بالمجاز حينئذ يكون بناءً على أنّ الإجارة تمليك المنفعة، لأنّ المنفعة مضادّة للعين، لكن المبنى غير تام، لِما تقدّم من أنّ الإجارة عبارة عن التسليط على العين لأجل الإنتفاع بها بأيّ نحو كان، فهو يستفيد ممّا تنتج هذه العين، سواء كان أمراً عرضيّاً أو جوهريّاً خارجيّاً، كإجارة الشاةِ للَبنها، والحمام للاغتسال بالماء الموجود فيه، والمرضعة لارتضاع الطفل من لبنها. فالإجارة هي التسليط على العين للإنتفاع منها، والإنتفاع من كلّ شيء بحسبه، فمن الدّار سكناها، ومن الدابّة ركوبها، ومن الآنية الأكل فيها، ومن الشجرة ثمرتها.
وعليه، يكون استعمال لفظ الإجارة على حقيقته.
وإنْ أراد أن العرف يستعملون لفظ الإجارة في الانتفاع بالثمر الموجود على الشجر، بأن يقال: آجرتك ثمرة الشجرة. فالظاهر عدم وجود هكذا استعمال عند العرف أصلاً.
وإنْ أراد إجارة الشجرة للانتفاع بثمرتها الموجودة فعلاً عليها. فهنا لا تتحقّق الإجارة الحقيقيّة، لأن الإجارة ـ كما قلنا ـ هي التسليط على العين للانتفاع بمنافعها المتجدّدة الناتجة عنها، وأمّا العين الموجودة بالفعل، فلا معنى لإجارتها. نعم، قد يقال في العرف: استأجرت هذه الشجرة… وهنا تكون المسامحة في التعبير.
وعلى الجملة، فإنّه في الصورة الأولى حيث لا ثمرة للشجرة فعلاً، تكون العبارة حقيقيةً والإجارة صحيحة على ما هو الحق في تعريفها، والحمل على المجاز لازم القول الآخر.
وقد أشكل على أصحاب هذا القول تصحيح إجارة المرضعة للبنها، والشجرة لثمرتها، والحمّام للاغتسال بمائه، فاضطرّوا إلى التأويل، بأنّ المرضعة إنّما تستأجر للإرضاع وهو فعلها وذاك منفعتها، وتلف اللبن تلف بلا ضمان، والحمام يستؤجر لغرض الاغتسال فيه وحصول تلك الجهة المعنوية، لكنّه يتصرف في المال ويستعمله بلا ضمان.
إلاّ أنّ هذه التأويلات لا تتأتى في مثل إجارة الشاة والبقرة للبنها.
وفي الصّورة الثانية، الظاهر أنْ لا استعمال عند العرف من هذا القبيل.
وفي الصّورة الثالثة، قد يوجد هذا الاستعمال عندهم، وهو مجاز، لكون المقصود حقيقةً بيع تلك الثمرة.

(1) وسائل الشيعة 23 / 120، الباب 3 من أبواب التدبير، الرقم: 4.
(2) وسائل الشيعة 23 / 120، الرقم: 1.
(3) وسائل الشيعة 23 / 120، الرقم: 3.
(4) وسائل الشّيعة 17 / 336، الباب 1 من أبواب عقد البيع، الرقم: 5.
(5) وسائل الشّيعة 15 / 155، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، الرقم 1.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *