في المراد من العين

وأمّا المطلب الثاني، أعني المراد من العين، فليس المراد العين الإصطلاحيّة، أي الموجود خارجاً بما هو موجود في الخارج، ولذا يجوز بيع الكلّي في الذمّة، بل المراد هو ما لو وجد لكان عيناً، سواء كان موجوداً بالفعل أو لا، في قبال المنفعة والحق… كما ذكر السيّد الجدّ طاب ثراه.
إلاّ أنه قد وقع الإشكال في بعض الأقسام، وتوضيح ذلك هو: إن العين إمّا جزئيّة، وإمّا كليّة وهي الكسر المشاع كالخمس مثلاً، وإمّا في المعيّن، وإمّا في الذمّة. والتي في الذمّة: إمّا أنّها تأتي إلى الذمّة على أثر المعاملة، وإمّا هي في الذمّة من قبل فيقع عليها البيع.
فأشكل في بيع الكلّي في الذمّة من جهتين:
الجهة الاولى: بأنه لا ملكيّة في مورده، لأن الملكية أمر ذو إضافة وتعلّق بشيء موجود، والكلّي في الذمّة ليس بشيء موجود، فلا ملكية لتنتقل بالمعاملة البيعيّة.
أجاب عنه المحقق النراقي: بأن البيع حيث أنه بمعنى نقل الملك لا التمليك، فلا محذور، لأنّ نقل الملك المتأخر في ظرف وجوده أمر معقول، والنقل ليس عرضاً حتى يعود المحذور…(1).
لكنّ النقل أيضاً من الامور ذات الإضافة.
وقال السيّد الطباطبائي: بأنّ الملكيّة عرض ولكنها أمر اعتباري، فلا مانع من تعلّقها بما ليس بموجود(2).
فاعترض عليه المحقق الإصفهاني: كيف يجمع بين العرضيّة والاعتباريّة؟
وقد وافق بعض مشايخنا السيّد في جوابه ودافع عنه: بأنّه لا يريد العرض الفلسفي حتى يرد عليه الإشكال، بل يريد أن الملكيّة وإنْ كانت متقوّمة بالطرف، إلاّ أنّه لا مانع من عدم كونه موجوداً الآن بل يوجد بعدُ، لأنّ الملكيّة أمر اعتباري.
أقول: قد أفاد المحقق الإصفهاني: أنّ المراد من أن الملكيّة من مقولة الإضافة وهي اعتبارية، هو الاعتباريّة المجامعة للمقوليّة، بمعنى وجود الشيء بوجود منشأ انتزاعه ـ في قبال الموجود بوجود ما بحذائه ـ لا الاعتبارية التي لا تتوقّف على موضوع محقق في الخارج. فتدبّر.
والجهة الثانية: بأنّه ليس بمال، ويعتبر في المبيع أن يكون مالاً.
والجواب: إنه مال عرفاً.
وأجاب السيّد الخونساري: بأن الكلّي في الذمّة وإنْ لم يكن موجوداً قبل البيع وليس بمال، إلاّ أن البائع يتملّكه قبل البيع ثم يبيعه، فهو في الرتبة السابقة على البيع يصبح مالاً مملوكاً ثم يقع البيع عليه، نظير بيع ذي الخيار للمال، فإنّه في الرّتبة السّابقة على بيعه، يتملّكه ثم يوقع عليه البيع(3).
لكنّ صاحب الخيار يفسخ ثم يمتلك ثم يبيع، فيكون البيع في الرتبة الثالثة، فكيف يتحقّق البيع والفسخ كلاهما بفعل واحد؟
ثم إنّ التعبير بالمرتبة، في غير محلّه، لأنه يكون في العلل والمعلولات، بل المراد هو الملكيّة آنّاً ما، نظير ملكيّة الولد لأحد عموديه آنّاً ما ثم انعتاقه عليه… ويرد الإشكال بناءً عليه: بأنّه يستلزم الالتزام بكون الفقير الذي باع كذا من المال في الذمّة، غنيّاً في آن تملّكه للمال، ولكنَّ أهل العرف لا يرونه غنيّاً في هذه الحالة.
وتلخّص: إن بيع الكلّي في الذمّة مورد للإشكال من جهتين.
وقد أشكل على بيع الكلّي في المعيَّن من جهتين كذلك:
إحداهما: أن الكلّي في المعيَّن معدوم، لأنّه غير متشخّص، والشيء ما لم يتشخّص لم يوجد.
وقد أجيب: بما تقدّم في سابقه، من كون الملكيّة أمراً اعتباريّاً، والاعتبار خفيف المؤنة.
إلاّ أنّ ذلك ـ إنْ تمّ هناك ـ غير مجد هنا، للافتراق الموضوعي بينهما، لأنّ المبيع هنا هو المنّ في الصبرة من الحنطة، فمتعلّق الملكيّة شيء حقيقي في الخارج عند العرف، وإن لم يكن بموجود عقلي، فالإشكال باق.
والجهة الثانية هي: إن القول بوجود الكلّي في المعيَّن يستلزم الجمع بين النقيضين، أي: السّالبة الكليّة والموجبة الجزئيّة، لأنّه لمّا يشير إلى الأجزاء العقليّة من الصبرة، ينفي أن يكون شيء من الصّبرة ملكاً له، ومع ذلك، له من هذه الصّبرة منٌّ بنحو الموجبة الجزئيّة.
إلاّ أنه لا واقعيّة لهذا الإشكال، لتعدّد الموضوع كما هو واضح من بيان الإشكال، فموضوع السّالبة الكليّة هو الأجزاء الشخصيّة الحقيقيّة، وموضوع الموجبة الجزئيّة هو الكلّي الذي يراه العرف، وإذا تعدّد الموضوع فلا تناقض.
ووقع الإشكال أيضاً في بيع الكسر المشاع، من جهة أنه لا وجود له، فلا يصح بيعه كذلك.
وأجيب: بأنّ الملكيّة من الاعتبارات العقلائيّة، ولا مانع من اعتبارها في موضوع اعتباري(4).
قال بعض مشايخنا: بأنه ينتقض بما إذا كانت الدّار ـ مثلاً ـ ملكاً لزيد، فمات وانتقلت إلى ولدين له، فالدار موجودة في الخارج، لكنَّ كلاًّ من الأخوين يملك نصفاً منها على الإشاعة، والمفروض كونه اعتباريّاً، وهذا معناه أنْ لا ينتقل إلى الوارث ما كان يملكه المورّث.
والتحقيق في الجواب: إن الكسر المشاع موجود خارجي بالوجود العرفي، ولا مانع من تعلّق الملكيّة به، وكذا الكلام في الكسر المعيّن.
قوله:
نعم، ربما يستعمل في كلمات بعضهم في نقل غيرها، بل يظهر ذلك من كثير من الأخبار… والظاهر أنها مسامحة في التعبير، كما أنّ لفظة الإجارة تستعمل عرفاً في نقل بعض الأعيان كالثمرة على الشجرة.

(1) عوائد الأيام: 38.
(2) حاشية المكاسب 1 / 272.
(3) جامع المدارك 3 / 69.
(4) البيع للسيد الخميني 1 / 17.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *