البيع: معاملة إنشائية بين اثنين بنحو المعاوضة في الملكيّة

بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
وبعد، فقد كنت قد وعدت غير مرّة بالبحث في المعاملات، وفي خصوص البيع، من المكاسب للشيخ الأعظم قدّس سرّه، فهذا أوان الوفاء بالوعد والشروع في بحث البيع، وأحمد اللّه على التوفيق واستخيره في ذلك:

البيع
معاملة إنشائية بين اثنين بنحو المعاوضة في الملكيّة
قولنا: «معاملة» لإخراج العبادة، وهي في الاصطلاح: الأمر الذي يتوقّف ترتّب الأثر عليه على قصد القربة، والمعاملة لا يتوقف ترتّب الأثر فيها على قصد القربة. وبعبارة أخرى: المعاملة يترتّب الأثر على وجودها الخارجي، وهو ـ أي الوجود الخارجي ـ علّة تامّة للأثر، فإنْ قصد القربة أعطي الثواب، وإلاّ فالأثر الخاصّ لها مترتّب لا محالة، والعبادة أمر يقتضي الأثر المترتب عليه، لكنّه مشروط بقصد القربة حتى تحصل الفعليّة للأثر.
وقولنا: «إنشائيّة» في قبال التوصّليّات التي يطلق عليها العبادة بالمعنى الأعمّ، وليس فيها حيثيّة الإنشائيّة، كغَسل اليد ونحو ذلك.
وقولنا: «بين اثنين» إحتراز عن المعاملة الإنشائية التي ليست كذلك، كالوقف العامّ مثلاً.
وقولنا: «بنحو المعاوضة» يخرج ما إذا كان معاملة إنشائيّة بين اثنين لا كذلك، كالهديّة.
وقولنا: «في الملكيّة» لإخراج المعاوضة بين التمليكين، كما هو الحال في الهبة المعوّضة، فإنها تمليك بعوض تمليك.
فالبيع معاملة خاصّة بهذه الخصوصيّات.
و«البيع» حيثما يطلق هذا اللّفظ في مقابل الإجارة والنكاح وغيرهما… إسم لم يلحظ فيه جهة المصدريّة التي فيها النسبة الناقصة، فالمعنى المصدري الذي يقال في ماضيه: باع، وفي مضارعه يبيع، فيه جهة النسبة الناقصة المقابلة للنسبة التامّة، أي: نسبة العرض إلى موضوعه، لكنْ لمّا نقول: البيع، الإجارة، النكاح، الهبة… فهي أسماء غير ملحوظ فيها جهة الإضافة إلى الفاعل، ففي مثل قوله عليه السّلام: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعاً، فهما بالخيار حتّى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع»(1) لا يقصد المعنى المصدري، وكذا في قوله تعالى (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)(2) وفي (رِجالٌ لا تُلْهيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ)(3)، بل المراد تلك المعاملة الخاصّة المسمّاة باسم البيع في قبال غيرها من المعاملات.

(1) وسائل الشيعة 18 / 6، الباب 1 من أبواب الخيار، الرقم 4.
(2) سورة البقرة: 275.
(3) سورة النور: 37.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *