الفصل الثاني

الفصل الثاني
هناك بحوث تدور حول روايات في كتب السنّة تخالف هذا الذي انتهينا إليه، و لربّما اتّخذ بعض العلماء من أهل السنّة ما دلَّت عليه تلك الروايات عقيدةً لهم، ودافعوا عن تلك العقيدة، إلاّ أنّنا في بحوثنا حقّقنا أنّ تلك الروايات المخالفة لهذه العقيدة، إمّا ضعيفة سنداً، وإمّا فيها تحريف، والتحريف تارةً يكون عمداً، واخرى يكون سهواً، وتلك البحوث هي:
أوّلاً: الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم في أنّ «المهدي هو عيسى ابن مريم»(1)، فليس من هذه الأُمّة، وإنّما المهدي هو عيسى بن مريم، فالمهدي الذي أخبر به رسول اللّه في تلك الروايات الكثيرة المتواترة التي دوّنها العلماء في كتبهم، وأصبحت تلك الروايات موضع وفاق بين المسلمين، وأصبحت من ضمن عقائدهم، المراد من المهدي في جميع تلك الروايات هو عيسى بن مريم.
وهذه رواية واحدة فقط موجودة في بعض كتب أهل السنّة.
وثانياً: الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم من أنّ «المهدي من ولد العباس»(2)، فليس من أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
وهذا كأنّه وُضِع في زمن بني العباس لصالح حكّام بني العباس.
وثالثا: الخبر الواحد الذي في كتبهم من أنّه «من ولد الحسن»(3)، لا من ولد الحسين.
ورابعاً: الخبر الواحد الذي في بعض كتبهم من أنّ اسم أبي المهدي اسم أبي النبي(4)، وأبو النبي اسمه عبداللّه، فلا ينطبق على المهدي ابن الحسن العسكري سلام اللّه عليهما، فتكون رواية مخالفة لما ذكرناه واستنتجناه من الأدلة.
وخامساً: ما عزاه ابن تيميّة إلى الطبري وابن قانع من «أنّ الحسن العسكري قد مات بلا عقب»(5) وإذا كان الحسن العسكري قد مات بلا عقب، فليس المهدي ابن الحسن العسكري.
فهذه بحوثٌ لابدّ من التعرّض لها وإثبات ضعف هذه الأحاديث المخالفة، أو إثبات أنّها روايات محرّفة.
أمّا ما نسبه ابن تيميّة إلى الطبري صاحب التاريخ، وإلى ابن قانع، فهو كذب، وقد حققته بالتفصيل في بعض مؤلفاتي.
وأمّا بالنسبة إلى البحوث الأُخرى، فلو أردنا الدخول في تحقيقها، لاحتجنا إلى وقت إضافي، فإن شاء اللّه تعالى بعد أن أُكمل البحث في هذه الليلة في الفصل الثالث، إن بقي من الوقت شيء، ندخل في هذه البحوث لغرض التفصيل، وإلاّ فلا ضرورة.
وحينئذ نصل إلى الفصل الثالث.

(1) المنار المنيف: 129، كنز العمّال 14 / 263 رقم 38656.
(2) المنار المنيف: 136، كنز العمّال 14 / 264 رقم 38663.
(3) المنار المنيف: 131.
(4) كنز العمّال 14 / 268 ح 38678.
(5) منهاج السنّة 1 / 122 و4 / 87.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *